The Trump Deal in Trouble

<--

الجمود في وضع ما، يعني «الثبات» وانعدام الحركة فيه. لكن في بعض الأحيان تتحرك الأمور بسرعة كبيرة، ولكن بشكل متكرر يجعل الوضع يبدو معه جامداً للعين الكسولة. فمثلاً لو ألقينا نظرة على الوضع الفلسطيني، لبدا لنا «جامداً» منذ زمن طويل مع أنه يتحرك بسرعة وتسارع كبيرين يأخذان القضية الفلسطينية إلى ثقب أسود، يراد له أن يبتلعها في عملية مقصودة تستهدف «تصفية القضية». هذا ما تسعى إليه القيادة «الإسرائيلية»، وهذا ما يتعاون معها عليه حلفاؤها الغربيون، ويتواطأ عليه بعض الفلسطينيين والعرب بلا وعي حيناً وبوعي أحياناً !

«جمود» الوضع الفلسطيني يبدو من تكرار المشهد اليومي منذ ما بعد حرب يونيو/حزيران 1967 على الأقل، ويتجلى في قرارات الأمم المتحدة ومبعوثيها، ومشاريع الحلول التي يجري عنها الحديث طول الوقت دون إحراز أي تقدم. ومنذ توقيع (اتفاق أوسلو) صار يختصر ذلك كله فيما يسمى (عملية السلام). أما الحركة السريعة المتسارعة للأحداث فتبدو في الإجراءات «الإسرائيلية»، من مصادرة الأرض إلى إقامة المستوطنات إلى توسيعها، إلى تهويد المدن والبلدات وحصارها وتقطيع أوصالها وشل حركتها وتهجير سكانها، إلى عمليات القتل والاعتقالات اليومية التي يتعرّض الفلسطينيون لها، وأخيراً إلى المحاولات المستمرة لاختراق الجدار العربي، وإقامة العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية مع بعض الدول.

وفي بعض التفاصيل بعض التوضيح. مع ظهور نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية وفوز دونالد ترامب، كثر الحديث عن (صفقة) يفكر فيها الأخير لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، وهو حتى الآن كلام عام. وقبل أيام انفضّت القمة العربية التي عقدت في الأردن، وقيل إن القضية الفلسطينية كانت أهم موضوعات البحث فيها. وأهم ما خرج عن القمة في هذا الخصوص كان (المادة 15) من البيان الختامي، الذي أعاد التأكيد على استعداد الأنظمة العربية للتطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني على أساس (حل الدولتين) والعودة إلى حدود يونيو/ حزيران 1967. وقيل أيضا إن ذلك جاء في إطار الحديث عن (صفقة ترامب) للحل. لكن (الصفقة) لا تستند إلى فكرة العودة إلى حدود يونيو/حزيران، ولا تقترح إزالة المستوطنات في إطار تلك الحدود، ولا صلة لها بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وآخر تقارير «مركز الإحصاء الفلسطيني» الصادر بمناسبة يوم الأرض في نهاية مارس/آذار الماضي، يقرر أن الأرض التي لم تستول عليها سلطات الاحتلال حتى تاريخه لا تزيد على ما نسبته 15% من مجموع أرض الضفة الغربية.

إن مجرد التعامل مع الإدارة الأمريكية لحل القضية الفلسطينية انطلاقاً من مبدأ «الصفقة»، وتحديداً على أساس «صفقة ترامب»، يحمل في طياته الاستعداد للقبول بالشروط «الإسرائيلية» لتصفية القضية الفلسطينية، وأولها عدم الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ما يجعلها مرفوضة سياسياً وأخلاقياً.

ففي واحد من تعريفات «الصفقة السياسية» نجد أنها «اتفاق يتم بين دولتين طبيعيتين في حالة نزاع أو حرب تطول مدتها بطريقة تؤدي إلى استنزاف الطرفين من دون إمكانية انتصار أحدهما على الآخر، فتأتي الصفقة السياسية لإنهاء النزاع أو الحرب لتلافي مزيد من الخسائر، أي لمصلحة البلدين والشعبين». هذا التعريف لا ينطبق على الصراع «الإسرائيلي» – الفلسطيني. ف «دولة «إسرائيل»» ليست سوى كيان كولونيالي استيطاني إحلالي عنصري، قام على أرض ليست أرضه بالاغتصاب وقوة السلاح، أي أنها ليست «دولة طبيعية». أما منظمة التحرير الفلسطينية فهي حركة تحرر وطني لشعب اغتصب وطنه وهجّر منه بالقوة، ويمارس التمييز العنصري ضد من بقي منه في أرضه. الجزئية الصادقة في هذا التعريف هو أن أحد الطرفين المتصارعين على الأرض لم يحقق الانتصار النهائي حتى الآن.

«الإسرائيليون» الذين يدّعون أنهم ضد الاحتلال وضد الاستيطان، ويرون الحل المثالي في (حل الدولتين)، يخشون الوصول إلى «الدولة الواحدة ثنائية القومية» ويعتبرون أن القنبلة الديموغرافية ستنفجر في وجوههم في ظل هذه الدولة، وستكون نهاية «دولة «إسرائيل». لكنهم في الوقت نفسه، لا يقبلون إزالة المستوطنات، ولا يتنازلون عن «الضمانات الأمنية» التي تجعل «الدولة الفلسطينية» كياناً تابعاً وتحت السيطرة «الإسرائيلية»، ولا يقبلون بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.

أبناء الشعب الفلسطيني يعرفون ذلك كله، ويتمسكون بحقوقهم كاملة، ويواجهون الأطماع «الإسرائيلية» رغم الظروف القاسية بكل الوسائل الممكنة، وأكبر دليل على ذلك الشهداء الذين يسقطون يومياً، تعبيراً عن رفضهم لهذا الوجود الاستيطاني. وبصرف النظر عن المواقف المتخاذلة والمفرطة للسلطة الفلسطينية، فإنهم لن يتخلّوا عن وطنهم ولن يسلّموا بالواقع الذي تحاول أطراف كثيرة فرضه عليهم. ومن دون موافقتهم لن يكون هناك حل، وسيرفضون (صفقة ترامب) التصفوية، ويصرّون على منعها أن تمر!!

About this publication