Concerning the ‘State of America’

<--

استطاع الرئيس دونالد ترامب قراءة نص متماسك من على شاشة جانبية في خطاب «حال الاتحاد» فاستحق الإشادة. وارتجل كلماته المعهودة مثل «جميل» و «رائع» و «أميركا العظيمة»… وزعم أن واشنطن هزمت «داعش مئة في المئة». وذكّر الكونغرس بإنجازاته خلال وجوده في البيت الأبيض، داعياً الديموقراطيين والجمهوريين إلى الاتحاد «من أجل الشعب». ومن أهم الإنجازات التي حققها، ويجمع عليها المشرعون قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

واقع الأمر أن «داعش» لم يهزم نهائياً فهو ما زال موجوداً في العراق، حيث ساعدت واشنطن في طرده من الموصل، ولم يسقط لها جندي واحد طوال المعارك التي دمرت المدينة كلها. وغيّر التنظيم تكتيكه فبدلاً من اعتماده المواجهة المباشرة واحتلال المدن بدأ يشن هجمات على طريقة حرب العصابات. أما في سورية فتنظيمات «داعش» لا تحصى وبعضها غيّر اسمه ويحظى بدعم أميركي لم يعد خافياً على أحد، فضلاً عن أن إسترتيجية البيت الأبيض ليست واضحة في هذا البلد، إذ سلح الأكراد ودربهم وضم إليهم عشائر عربية في تحد واضح لحليفه رجب طيب أردوغان الذي يشن حملة على عفرين كي لا تنتقل الحرب الكردية إلى بلاده وهو يكاد ينحاز إلى السياسات الإيرانية والروسية، والدولتان تعدانه بعدم السماح للأكراد بتأسيس إقليم يشكل خطراً على أنقرة، ولكل منهما أسبابه الخاصة، فطهران تعادي الأكراد مثله تماماً، إن لم يكن أكثر، وموسكو ترى في عودة النظام إلى المنطقة انتصاراً لإستراتيجيتها.

تبقى مسألة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد أكد ترامب أن هذا الأمر من «حقّ الولايات المتحدة السيادي»، معتبراً كل من يخالفه عدواً. أي أنه صنّف 128 دولة صوتت ضد قراره في الأمم المتحدة في خانة الأعداء، بينها بعض أهم حلفائه، إذ قال إن دافعي الضرائب الأميركيين «أرسلوا إلى هذه الدول أكثر من عشرين بليون دولار مساعدات خلال عام 2016. وأطلب من الكونغرس أن يشرّع قانوناً خاصاً بالمساعادت الخارجية يخدم المصالح الأميركية ويضمن وصولها إلى أصدقاء أميركا وليس إلى أعدائها». وأتبع هذا الهجوم على الحلفاء والخصوم بالقول مباشرة إن «الولايات المتحدة مستمرة في تعزيز صداقاتها حول العالم».

يوافق الكونغرس ترامب في هاتين المسألتين: زعمه القضاء على «داعش»، واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. لكن المشرعين، خصوصاً الديموقراطيين، يعارضونه، في كل ما عدا ذلك. ويسعون جاهدين إلى إثبات تورط روسيا في حملته الانتخابية ومساعدته في الوصول إلى البيت الأبيض، تمهيداً لمحاكمته. ويأخذون عليه إلغاء كل قرارات أوباما ومنها إغلاق سجن «غوانتانامو». ويتهمونه بخلق فوضى في البيت الأبيض وإيكال أمور إستراتيجية إلى عائلته، خصوصاً ابنته وصهره جاريد كوشنر الذي يحظى بمكانة خاصة في الإدارة ويكلفه الرئيس مهمات من اختصاص وزارة الخارجية مثل حل النزاع العربي- الإسرائيلي.

ومن نتائج هذه السياسة تراجع إسرائيل عن القبول بحل الدولتين الذي تنصّ عليه القرارات الدولية. وهذا ما أكده نتانياهو لوزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل حين قال له: «سنسيطر على الأمن غرب الأردن (الضفة الغربية). هذا هو الشرط الأول. فإذا كانت (الضفة) ستعرف كدولة عندما تكون لنا السيطرة العسكرية أمر آخر. أود ألا أناقش التسميات وإنما الجوهر». والجوهر بالنسبة إليه استغلال الدعم الأميركي إلى أقصى الحدود والضغط على العرب والفلسطينيين للتخلي عن القضية ولا يهمه رأي الأوروبيين الذين يحذرونه من زيادة العداء له في القارة القديمة، ملوحاً لهم بعصى معاداة السامية. لكن إلى متى ستبقى هذه التهمة فاعلة؟

«حال الاتحاد» من حال إسرائيل. أما حالنا فمن حال «داعش».

About this publication