'The Iraqi Razor in America's Throat'

<--

«الموس» العراقي في الحلق الأميركي

رغم أن التقرير الاستخباراتي الأميركي الذي سربته الصحف الأميركية، والذي يتضمن نقاطاً عن الإخفاق الأميركي في العراق، لم يأت بأي جديد غير واضح للعيان إلا إن الإدارة الأميركية، وللغرابة الشديدة مازالت تمارس أسلوب الإنكار نفسه الذي كانت تمارسه منذ حربها على أفغانستان مروراً بالعراق، وانتهاء بلبنان من خلال العدوان الصهيوني الأخير..

الإدارة الأميركية لا تريد أن تقف عند المشكلة، أو لنقل المعضلة وقفة جادة تستعرض

من خلالها مكامن الخلل ونقاط الضعف، بل هي تستمر في الهروب إلى الأمام علّها تحقق أي تقّدم قابل للتفاخر به أمام العالم الذي يزداد كراهية لها يوماً بعد يوم، في حين يزداد أعداء الولايات المتحدة سواء من المتطرفين أو المقاومين قوة و تمرساً في الحروب ضد التعسف الأميركي بسبب إطالة أمد هذه الحرب التي تعتمدها واشنطن لفرض مشروعها الإمبراطوري من جهة، وبسبب الإخفاقات الضخمة والمتتالية للسياسات الأميركية في كل أرض تطؤها قواتها أو من يحارب لأجلها.

لقد أظهر التقرير الاستخباراتي، والذي أعدته 16 جهة استخباراتية في الولايات المتحدة بأن الحرب على العراق انشأت جيلاً جديداً من الزعماء والمقاتلين الإرهابيين، وأن تنظيم القاعدة يستغل الوضع في العراق لاجتذاب متطوعين جدد، ومانحين للحفاظ على دوره القيادي، وأن النزاع العراقي أصبح «قضية شهيرة» للمجاهدين تغذي ضغينة عميقة حيال الوجود الأميركي في العالم الإسلامي، وتؤدي إلى وجود متعاطفين مع الحركة الجهادية على المستوى العالمي. وربما كل ما سبق يمكن أن يرى بأم العين من دون الحاجة إلى تقارير استخبارتية للتوصل إليها، ولكن الجديد في التقرير أن من قام بإعداده هي الإدارة الأميركية نفسها، ورغم ذلك وقف بوش الابن مدافعاً عن سياساته الفاشلة، إذ عاد وأكد مجدداً أن البعض «خلص الى أن الذهاب إلى العراق كان خطأ، أنا لست موافقا على ذلك، إنه اعتقاد ساذج، وأرى أنه من الخطأ الاعتقاد بأن مهاجمة اشخاص يريدون إيذاء الأميركيين تجعلنا اقل أماناً»!

و يبدو أن هاجسا جعل أميركا أكثر أماناً هو هاجس وهمي وضعته إدارة بوش كمبرر سمج للاستمرار في مشروعها الضخم المسمى بالشرق الأوسط الجديد تماماً، كما كانت فكرة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل فكرة وهمية قائمة على كذب محض اعترف به وزير الخارجية الأميركية السابق كولن باول أمام الأمم المتحدة. وهذه السياسة الغريبة القائمة على اختلاق الأعداء واستثمارهم وتغذيتهم باستمرار بما يحتاجونه من وقود كاف للمضي قدماً ستؤدي بالنهاية إلى تقويض أركان القطب الأوحد في العالم، والذي بدأت ملامحه تتضح شيئاً فشيئاً على أرض الواقع السياسي الملموس لمن يتابع بقليل من الموضوعية على الأقل..

المشكلة الحقيقية التي تواجه أميركا اليوم أن القضية العراقية أصبحت اليوم بمثابة الموسي العالق في الحلق فلا هي قادرة على بلعها للتخلص منها، ولا هي قادرة على إخراجها لأن خروج القوات الأميركية من العراق في حد ذاته يعطي انطباعاً، أو ربما يلهم أعداء الولايات المتحدة بأساليب التعامل معها أكثر فأكثر ويشجع على المزيد من المقاومة لأي مشروع صهيوـ أميركي في المنطقة، مما يعني انفلات السيطرة الأميركية على العالم بينما بقاء القوات أيضاً يعني ما هو متطابق من خلال السوء عن الخيار الأول، إذ ذكر الكاتب والصحافي الأميركي الشهير بوب وودوارد أن الجنود الأميركيين يتعرضون لهجوم كل‏15‏ دقيقة ‏,‏ وأن الوضع في العراق أكثر خطورة بكثير مما يعترف به البيت الأبيض‏.

وربما لم يبق أمام الولايات المتحدة اليوم من خيار سوى التخلي عن رؤى كيسنجر ( وزير الخارجية الأميركية السابق ) كراسم لسياساتها الخارجية، وأن تعترف بأن من رسم سياسة المستنقع الفيتنامي قبل عشرات الأعوام مازال يفكر بالعقلية الفاشلة السابقة نفسها بدليل سقوط أميركا في المستنقع العراقي من جديد وبخسائر أكثر بكثير قد تتهدد حتى وجودها برمته، كما أودى الخطأ الأميركي ـ الإسرائيلي الفادح بالوقوع في فخ الهزيمة الفضيحة بمستقبل دولة الكيان الغاصب إسرائيل، والذي ستظهر نتائجه الوخيمة في المستقبل القريب جداً جداً.

About this publication