President Bush Too Quick to Talk to His Enemies

<--

الافتتاحية

لا وجود لزعيم في أميركا

حتى الآن فشلت ادارة الرئيس الاميركي بوش في خدمة مشروعها الديمقراطي والسلمي للشرق الاوسط, بدليل هذه الفوضى العارمة من القتل واستعراضات القوة الغاشمة الممتدة من لبنان, الى العراق, الى ايران, الى فلسطين. والاميركيون بازاء هذا الفشل الناجم عن تجارب فاشلة, يسعون الى تغطية هذا الموضوع باطلاق المسميات النظرية التي تداعب مخيلات الذهن ومفرداته الثقافية لكنها لاتصور الواقع ولاتقر بالمسؤولية عنه. فالحاصل الآن في لبنان والعراق وفلسطين ليس فوضى خلاقة بل هو فشل اميركي أحدث هذه الفوضى.

في هذا العهد الاميركي الذي امتاز باشهار السيوف المقدسة ضد الارهاب, لم تتوافر الزعامة المطلوبة لخوض هذه الحرب والانتصار فيها, فالرئيس بوش لم تتبلور فيه هذه الزعامة المطلوبة, وظل حتى الآن في موقف الطرف الفاقد للغلبة والحاكمية, والجاهز دائما للتفاوض مع أعدائه وتقديم التنازلات لهم, وعيش الحياة معهم يوما بيوم كما انتهى إليه الوضع الآن مع سورية وايران اللتين تقودان الحرب ضد اميركا سعيا الى اخراجها من العراق ومن منطقة الشرق الاوسط كلها.

ومعروف ان هذا المعسكر الايراني ¯ السوري يرفرف اليوم بجناحين في ظل تفاهم تام مع اسرائيل شاؤوا ام أبوا, اكتشفوا هذا الامر ام لم يكتشفوه, والتي ترى ان الشرق الاوسط الجديد هي الاولى بقيادته خصوصا وانها تتلقى الدعم الايراني السوري على خلفية العزم على تطهير المنطقة من الوجود الاميركي, والاستفراد بالتحكم في مصيره, وفرض الايديولوجيات الاقلاوية عليه بكل مفرداتها الاصولية والايديولوجية, وبكل ما ينتابها من مخاوف لاتجعلها تطمئن الا الى حلفاء من طينة واحدة, وتحديدا الى حلفاء خائفين لايثقون بأحد.

في هذا المكون العميق لبعض الموجودات الثقافية في الشرق الاوسط لم يملك الاميركيون غير المشروع الديمقراطي الذي لاتتساوى فيه مساحات الاعتناق والتطبيق, اذ في العراق لاتبدو المعادلة الديمقراطية مهضومة كما هو الحال في الولايات المتحدة. ولهذا السبب ازداد الوضع سوءا في العراق, وازداد النفوذ الايراني ¯ السوري قوة في العراق, وازدادت العربدة الاسرائيلية في المنطقة, وازداد الوضع حزنا في لبنان, بهذا المعنى فان اميركا الدولة العظمى والعظيمة لاتزال مخلصة لمعتقدها الديمقراطي, وعاجزة بالتالي عن التعامل مع قضايا المنطقة الكبرى بغير الالفاظ وتوليف المفاهيم, وصياغة النظريات… القضية الفلسطينية خضعت لحركة التلاعب بالالفاظ الاميركية, مع ان حسمها واضح. والقضية العراقية كذلك, لاتحل ولاتوضع الامور فيها في النصاب المطلوب, برغم ان الاميركيين في العراق يواجهون عداوة ايرانية ¯ سورية ممكن مواجهتها واقتلاعها بسهولة, مهما كلف الامر من أجل استقرار العراق وقيام الدولة الواحدة فيه, القوية والحرة والديمقراطية.

غياب روح الزعامة في اميركا الآن, وتفشي روح الفشل ونزعات المساومة مع الاعداء,هو الذي يهدد فعلا بفضل المشروع الاميركي كله في المنطقة, وهو مشروع يبغي نشر الديمقراطية, واقامة السلام العربي الاسرائيلي, وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة بجوار اسرائيل.

في صدد الزعامة فإنها ظهرت لماما في الولايات المتحدة عبر بعض الرؤساء الذين كانوا زعماء فعلا لا موظفين. من هؤلاء روزفلت الذي أوصى وهو على فراش موته بالقضاء على اليابانيين لانهم قادرون على تغيير جغرافية العالم والوصول الى اميركا. وبالفعل, وعندما مات, تولى خليفته هاري ترومان مواصلة الحرب ضد اليابان بروح الزعامة التي لاتقبل بغير الغلبة والحلول الراديكالية, فأمر بضرب هذه البلاد بالقنابل الذرية ليضعها مباشرة في قلب هزيمة لاتقوم قائمة لليابان من بعدها, ولتضع حدا للحرب العالمية الثانية عن طريق تحقيق الانتصار الحاسم. كذلك ايزنهاور كان زعيما اخرج الاسرائيليين من سيناء بعد حرب 1956 كذلك ريغان كان زعيما حين ربح الحرب الباردة على الاتحاد السوفياتي, وأسهم فيما بعد بسقوطه واستعادة بلدان الشرق الاوروبي وروسيا لنسائم الحرية والديمقراطية ولحقوق الانسان. وكذلك جيمي كارتر كان زعيما حين فرض رؤية السلام على مصر واسرائيل في كامب ديفيد, وانتج اولى اتفاقات للسلام والاعتراف المتبادل بين اسرائيل واكبر دولة عربية… هذه الكوكبة من الرؤساء الزعماء هي التي كتبت, بتراكم اعمالها, صيغة النظام الدولي الجديد الذي فشلت إدارة بوش, وبوش نفسه, في الاشراف عليه, واقامته وتعزيز اركانه, عن طريق اعتماد الالفاظ, والتذرع بمحاكاة الواقع (البراغماتية), وغياب روح الزعامة عن رئاسة بلد يقود العالم منفردا وبلا منازع.

روزفلت كان يخشى اليابانيين لقدرتهم على تغيير جغرافية العالم,الآن لدينا دول مثل اليابان تسعى لتغيير جغرافية العالم مثل اسرائيل وكوريا الشمالية, ودول أخرى في الاقليم, واميركا لاتفعل شيئا, والزعامة الخافتة فيها تكتفي بالنظر الى نفسها وهي تغرق في العراق, ولبنان وفلسطين وليس بمقدورها سوى معاودة الفشل وتكراره, وكأنها بذلك تعلن غياب الزعامة فيها وعجزها عن ضبط هذه الفوضى غير الخلاقة الضاربة في الشرق الاوسط, والناتجة عن الميوعة وعن استطرادات فشل المشاريع الناجمة عن غياب الزعامة وفهم متطلبات المنطقة, وعن الاحساس المفقود بالمسؤولية عن ادارة هذا العالم الكبير

أحمد الجارالله

About this publication