An Inside View to the American Viewpoint

Edited by Louis Standish
Proofread by Tim Gehring

<--

لا يمكن لأي باحث سياسي أو اجتماعي تفسير ظاهرة ما دونما الرجوع إلى بداية تشكلها وعلى هذه القاعدة المعرفية لابد للمتتبع للسياسة الأمريكية تجاه منطقتنا من الغوص في البنية السياسية الأمريكية ومعرفة عناصر بنائها، وتبدو أهمية ذلك من خلال الثقل السياسي والإعلامي والاقتصادي لأكبر دولة في العالم, مازالت المنطقة العربية والعالم أجمع يتأثران بسياستها واستراتيجياتها بعيدة المدى وربما لعقود قادمة.

ويمكن لأي متابع للسياسة الأمريكية في المنطقة،اكتشاف صعوبة الاستمرار في عداء مطلق معها وكذلك صعوبة إقامة صداقة دائمة معها ،لأسباب عديدة تتعلق بالبنية الاجتماعية الأمريكية التي تقع تحت تأثير الإعلام الأمريكي، الخاضع بشكل واضح لمجموعات الضغط الصهيونية وتأثيرها السلبي في الرأي العام الأمريكي مع غياب شبه كامل لوجهة النظر العربية.. ما ساهم في ترسيخ صورة انطباعية مجافية للواقع فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني.‏

ولعل أكبر دليل على ذلك الاستنتاج ردود الفعل التي رافقت صدور كتاب للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر يتعلق بالقضية الفلسطينية والجدار العازل الذي أقامته قوات الاحتلال في الضفة الغربية وما وجه إليه من نقد في الكتاب المذكور، ما حدا بالرئيس الأمريكي لفتح الحوار مع بعض الأساتذة والطلاب في إحدى أهم الجامعات الأمريكية ليدافع عن وجهة نظره والنأي بنفسه عن الاتهامات التي وجهت له بما يسمى العداء للسامية.‏

وعلى الرغم من أن الرئيس كارتر كان عراب اتفاقية كامب ديفيد والصلح المصري الإسرائيلي إلا أن ذلك لم يعفه من تلك التهم، حيث نظر للكتاب على أن فيه خروجاً عن السياق العام لنظرة الكتاب والساسة الأمريكيين في مقاربتهم لقضية الصراع العربي الصهيوني، ما شكل صدمة للطبقة السياسية الأمريكية وبعض المهتمين في الشأن السياسي.‏

ومن خلال متابعتي للحوار وضحت لدي صورة أدق عن البنية الثقافية والسياسية للشباب الأمريكي التي تعكس قصوراً واضحاً في فهم حقيقة ما يجري في المنطقة، وعن طبيعة الكيان الصهيوني في بنيته الداخلية ونوع الممارسة العنصرية والعنف المؤسسي الذي ينتهجه حيال العرب، وهذه الصورة المتشكلة في الذهنية الأمريكية لم تأت من فراغ ،إنها نتيجة حقن تربوي وإعلامي وديني يتعرض له المجتمع الأمريكي ساهم في تشكيل تلك الصورة عما يجري في المنطقة.‏

وقد واجه الرئيس الأمريكي مؤلف الكتاب صعوبة بالغة في محاولته إقناع محاوريه بصوابية ما يطرحه من أفكار أو صور لامسها هو في الواقع من خلال موقعه في الرئاسة أو إشرافه على الانتخابات التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى درجة أنه طلب من محاوريه ومستمعيه ضرورة زيارة الأراضي الفلسطينية ليروا الحقائق كما هي في الواقع.‏

ولكي يدلل على حبه لليهود ومساعدته لهم وخاصة في عقد اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل قال كارتر في معرض حديثه عن طفولته: لقد كنت منذ طفولتي محبا لليهود منذ كان عمري ست سنوات كنت أتلقى الدروس الدينية واحترام اليهود شعب الله المختار واحترم أن السيد المسيح قد جاء من سلالتهم, فلهم في قلبي وذاكرتي مكانة خاصة, وانتهى كلام الرئيس.‏

وعلى الرغم من أن المؤلف قد أكد أن الهدف من الكتاب هو إحياء عملية السلام إلا أن اللوبي الصهيوني وبعض رموز الطبقة السياسية الأمريكية صبوا جام غضبهم عليه واتهموه باللاسامية وأنه سياسي وليس مؤرخاً، وتوجه نقدهم إلى الكاتب لا إلى مضمون الكتاب لأنه بنظرهم فتح ثغرة في الجدار الثقافي والسياسي المؤيد لإسرائيل.‏

إن الموجة الإعلامية التي رافقت صدور الكتاب تعكس حجم التأثير الإعلامي والثقافي للصهيونية في الثقافة السياسية للمواطن الأميركي الذي يبدو أنه ينظر من زاوية واحدة للصراع بسبب غياب الصور الأخرى.‏

لقد توقفت كثيرا عند تلك العبارات وترسخت لدي قناعة كانت قائمة مؤداها أن ثقافة الاميركيين سياسيا على درجة كبيرة من السطحية وتأخذ من الصورة إطارها دون المضمون وتمارس وسائل الإعلام دوراً أساسياً في تشكيل محدداتها ومضامينها.‏

وهنا تبرز أهمية دور الإعلام والفن والسينما والبعثات العلمية والأكاديمية وأهمية اجتذاب شخصيات أمريكية فاعلة لتصويب الصورة المزيفة المتجذرة في الثقافة السياسية الأمريكية عن العرب وإسرائيل، وهذا عمل أو واجب يقع على عاتق الدول العربية والمؤسسات الإعلامية والسياسية والجاليات العربية في أمريكا القيام به،خاصة أن الإمكانات المادية والبشرية والتقنية العلمية والإعلامية متوفرة,

About this publication