The World As America Perceives It

<--

العالم كما تراه أميركا

هيثم عدرة

الخطط التي تقوم الولايات المتحدة الأميركية بصياغتها تهدف بالمحصلة إلى السيطرة على العالم والتحكم به عبر صيغ كثيرة طبقتها سابقاً أو من خلال صياغة آليات جديدة

تسهل عليها الضغط في أي مكان من أجل الوصول إلى أهدافها إن كان على المدى القريب، أو البعيد، وأي مراقب يلاحظ أن معظم ما تقوم به من أشكال لتطويع أماكن كثيرة ومختلفة في العالم نصيبه الفشل الذريع، ورغم ذلك تحاول أن تبتكر وتعوض عن اخفاقاتها في ايجاد صيغ جديدة والغطاء تحت تسميات أضحت تعرفها جميع الشعوب/ الحرية- الديمقراطية و..الخ/‏

بدأت واشنطن بتنفيذ استراتيجية جيوسياسية عالمية لتقسيم العالم إلى قسمين يمثل أحدهما نادي الدول المتطورة، ويمثل الآخر بقية أجزاء العالم التي حكم عليها بموجب هذه الخطة بأن تتحول إلى جيوب سياسية وبأن تعاني من الحروب والتدهور الاقتصادي. ولابد من سؤال هو هل تعتبر عملية التحالف الغربي في ليبيا جزءاً من هذه الخطة؟!‏

إذا ما كان الجواب عن ذلك بنعم، فما هي الخطوات اللاحقة المحتملة في طريق رسم الخارطة الجديدة للعالم على الطريقة الأميركية كما يقال.‏

يتحدث بعض المحللين والخبراء في الشأن العسكري والسياسي أن تدخل الولايات المتحدة وحلفائها في الشأن الليبي خطوة هامة على طريق تنفيذ عقيدة عسكرية سياسية جديدة يرجحون صياغتها إلى فترة تولي روبرت غيتس مهام وزير دفاع الولايات المتحدة، وقد صيغت الأسس الأيديولوجية لهذه العقيدة على كتاب الخبير الاستراتيجي الأميركي المعروف والموظف السابق في البنتاغون توماس بارينت تحت عنوان/ خارطة البنتاغون الجديدة: الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين/ وتفيد نظرية بارنيت أن من مصلحة الولايات المتحدة أن يكون العالم مقسماً في القرن الحادي والعشرين إلى شطرين غير متساويين، فمن جهة ثمة النواة المستقرة حسب زعمه والتي تضم الولايات المتحدة نفسها وعدداً من الدول المتعاونة معها من بين الدول المتطورة والنامية على حد سواء، ومن جهة أخرى هناك بقية العالم التي يخصص لها مايشبه/ منطقة الظل/ أي المناطق غير المتطورة اقتصادياً وغير المستقرة سياسياً، ويتلخص دور القوة العسكرية الأميركية في هذا المخطط بتأمين وصول الموارد الطبيعية من الشطر الثاني إلى الشطر الأول من العالم، لأن دول الشطر الأول بحاجة إلى المزيد من تلك الموارد فيما لا يجوز لدول الشطر الثاني أن تستفيد منها.‏

الفارق بين هذه العقيدة وبين سياسة جورج بوش الابن الأول أن الأولى لا تفكر بالاستيلاء المباشر على أراضي الغير وزرع الديمقراطية بهذه الفظاعة، بل تكتفي بضربات عسكرية محدودة وعمليات سرية لإضعاف وتجزئة الدول الكبيرة الغنية بالموارد الطبيعية كما هو الحال في مشروع/ الشرق الأوسط الكبير/ ويعتقد أنصار هذه النظرية أن هذه العملية بدأت في إفريقيا من خلال تقسيم السودان مما يؤدي إلى إضعافه حكماً والسيطرة والتحكم به أكثر، وطبعاً هذا الأمر استغرق فترة لابأس بها من خلال الضغط المتقطع والمستمر للوصول إلى الشكل التقسيمي الذي تم على الأرض بشكل فعلي،وهذا الأمر يشكل حالة عدم استقرار وبؤرة توتر تحركها متى تشاء أميركا وتتحكم بها بالطريقة التي تخدم مصالحها، هذه الخطة نلاحظ أنها مستمرة الآن في ليبيا ولكن بأشكال وآليات مختلفة، ولكن الهدف بالنهاية هو القضاء على مكونات الدولة حتى يسهل التحكم بها عبر واقع تقسيمي لم تتبلور معالمه بعد، وهل سينجح هذا المشروع أم لا، وهذا مايجعلنا أمام جملة من التساؤلات في الإطار الليبي حول طبيعة الخطوة التالية للتحالف الغربي حيال ليبيا؟ وهل فعلاً باتت العملية البرية المحدودة كما يزعمون لدعم المعارضة على الأبواب وما هو السيناريو المعد لذلك؟ أم أن الأمور تأخذ غزواً فعلياً واحتلالاً كاملاً لليبيا؟ وهل يمكن القول إن هذه المحاولات يمكن أن نسميها بالاستعمار الجديد عبر إحكام السيطرة الأوروبية على ليبيا وثرواتها النفطية؟‏

بعد كل هذه التساؤلات ومن خلال ما تم طرحه والتأكيد عليه من قبل فرنسا وبريطانيا عن نيتهما تقديم دعم إضافي للمعارضة عبر إرسال مستشارين عسكريين انكليز وفرنسيين إلى بنغازي لتقديم المساعدة إلى المعارضة في تشكيل جيش لها بدلاً من الفصائل المقاتلة هنا وهناك دون قيادة موحدة.‏

ويمكن القول على ضوء ما تقدم وعبر تحليلات للعديد من الخبراء إن احتمال العملية البرية لقوات التحالف الدولي خلافاً لقرار مجلس الأمن الدولي، يغدو وارداً أكثر فأكثر، وذلك بسبب تعذر بلوغ الأهداف المعلنة من قبل التحالف بالضربات الجوية وحدها، وقد يتخذ ذريعة للغزو البري ما تروجه وسائل الإعلام بشأن الكارثة الإنسانية الفظيعة في مدينة مصراتة وضرورة انقاذ أهلها على جناح السرعة كما ترى الأوساط في دوائر النيتو، والملاحظ أن التركيز الإعلامي عبر المحطات الفضائية والتي تصور الأشياء كما تريدها قوات التحالف للمساعدة في تشكيل رأي عام دولي حول ضرورة التدخل العسكري بكافة أشكاله في ليبيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويمكن القول إن هذه الوسيلة أضحت مكشوفة ولايمكن أن تنطلي على أحد.‏

ويمكن القول وحسب رأي المحللين من أن السيناريو الذي طبق في العراق هو الأكثر احتمالاً في حال بدء العملية البرية لقوات الحلفاء ضد ليبيا بالرغم من أن الاعتماد الآن هو على المعارضة عبر تدريبها وتأمين الدعم والغطاء الجوي لها، ولابد من القول إن تصعيد سيناريو التدخل البري بشكل فعلي وعلني سيؤدي إلى حالة من التشرذم والبلبلة في ليبيا، بل ستكون له عواقب وخيمة على شمال إفريقيا عموماً، وفي هذه الحالة تجازف أوروبا بمواجهة موجات عاتية من المهاجرين من بلدان المغرب العربي يستحيل التصدي لها.‏

بكل الظروف موضوع الهجرة أضحى يشكل عبئاً على أوروبا وبدأت تتعالى الأصوات لإيجاد جميع الوسائل والقيود لمنع أعداد المهاجرين التي تزداد والتي تشكل حالة قلق من تداعياتها على المدى القريب أو البعيد في عموم أوروبا.‏

ولكن يبدو أن الرهان كبير ومرتفع على اللعبة التي تتم في ليبيا بالرغم من موضوع الهجرة الذي يشكل حالة توتر في المجتمعات الأوروبية، فالبعض من المراقبين يعتقدون ان احتياطات النفط والغاز في ليبيا تجعل من هذه البلاد بقعة جذابة ومغرية للكثيرين.‏

كل ما ذكرناه يشكل الحالة التي تحدثنا عنها في البداية وهي الأسس التي تفكر بها الولايات المتحدة ومن خلفها أوروبا ومحاولة ترجمة الخطط إلى واقع وفعل وهذا ما نلاحظه على الأرض.‏

About this publication