Islamic Obstacles to the Ambitions of Hillary Clinton

<--

الاقتناع العام المصاحب لصدور كتاب مذكرات هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية في حكومة الرئيس أوباما خلال ولايته الأولى، هي أنها تهيئ الأرضية للحصول بعد عامين على ما لم تتمكن منه قبل ستة أعوام، أي الفوز بالرئاسة الأولى في الولايات المتحدة. إلا أن كلينتون، والتي تبدو اليوم في طليعة المجموعة المبكرة من المتنافسين، تعترضها عقبات عدة سوف يستغرق تذليلها الوقت الطويل. ومن هنا حاجتها إلى الشروع بجهود تأسيسية حتى قبل قدوم الاستحقاق الانتخابي السابق لموضوع الرئاسة، أي الانتخابات النصفية في شهر تشرين الثاني المقبل. وقد يكون أخطر ما يعرقل طموح كلينتون عقبات يجوز وصفها بالإسلامية.

يستفيد الديموقراطيون، ومنهم كلينتون، من فراغ في الحضور السياسي في الحزب الجمهوري. إذ يعاني هذا الحزب من انفصام وجودي في هويته السياسية إثر انفراط عقد التحالف الموضوعي بين جناحي التيار المحافظ، أي الجناح المحافظ الاجتماعي المستهلك بحروب الثقافة، من محاولة تطويق حقوق المثليين إلى التضييق على الحق بالإجهاض، والجناح المحافظ الاقتصادي الساعي إلى تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية، سواء من جهة تقليص العبء الضريبي أو من جهة إلغاء البرامج التحفيزية والتحبيذية.

وما أفسد الوئام بين هذين التيارين هو نشوء اصطفاف موازٍ داخل الحزب الجمهوري بين مفهوم محافظ قديم يشدد على الانعزالية إزاء المسائل الدولية، ومفهوم محافظ جديد يعتبر أن التداخل الاقتصادي والأمني على المستوى العالمي يستوجب دوراً دولياً فعّالاً للولايات المتحدة لتحصين الرؤية المحافظة. فالتجاذب بين الأجنحة والمفاهيم قضى على التوافق الذي كان يمنح الجمهوريين القدرة على التعبئة والفوز. إذ اليوم غالباً ما تكون هذه التعبئة لمطاحنات داخلية، ينتج منها مرشحين جمهوريين غير قادرين على التكيف مع الأجواء الوسطية الضرورية للفوز في الانتخابات العامة.

فحاجة الجمهوريين، والذين يفتقدون الوجوه القيادية المقنعة، لإعادة قدر من التوازن إلى الساحة السياسية هي إلى التشكيك والطعن بهيلاري كلينتون لاعتراض الزخم السائر باتجاه تكريسها المرشحة البديهية الضامنة للفوز. واقع الأمر أن كلينتون نفسها ليست مطمئنة إلى هذا التصنيف، بعد أن كانت قد حازت عليه في المرحلة التحضيرية لانتخابات عام ٢٠٠٨، قبل أن ينتزع باراك أوباما منها الترشيح الحزبي.

فهيلاري كلينتون مكشوفة إزاء الجمهوريين من وجهين، أحدهما قد جرى توظيفه إلى حد الاستهلاك، والآخر مرجأ الاستعمال. فمنذ الأحداث التي أودت بحياة السفير الأميركي ومرافقيه في بنغازي ليبيا قبل عامين، والمسعى الجمهوري متواصل إلى الطعن بكلينتون لتحميلها المسؤولية. والواقع أن كلينتون نفسها قد أعلنت بوضوح تام أنها، بصفتها وزيرة الخارجية أي المعنية بسلامة المبعوثين وأمن السفارات، هي من يتحمل المسؤولية وطالبت بالتحقيق لكشف التقصير إن وجد، أو الثغرات والأخطاء التي أدّت إلى مقتل السفير وزملائه. إلا أن الصف الجمهوري، على رغم ذلك، ما زال مستمراً بمحاولة إثبات أن ثمة مؤامرة ما لطمس حقائق ما في خصوص وجه ما من هذه القضية. وهذه الجهود، وإن شغلت العديد من السياسيين الجمهوريين الحديثي السن بالسياسة، وملأت الإعلام التحريضي، فإنها لا تتجاوز الهامش السياسي، ولا تنفع لإسقاط كلينتون إلا لدى من أسقطها لتوّه، فيما هي تظهر عموم الجمهوريين بمظهر المتلهي بما لا فائدة منه من أمور.

أما الوجه الآخر، وإن جرى استدعاءه بين الحين والآخر، فإنه يبقى ذخيرة حيّة لدى الجمهوريين للهجوم على كلينتون في الفرصة المناسبة، وهو اتهامها بالإساءة العميقة للمصلحة والقيم الأميركية من خلال دعمها المزعوم لـ «الإسلام السياسي». فتختمر في المواقع الجمهورية سرديتان، تتوافقان في النتائج وإن اختلفتا في التقييم والتفاصيل، فتتمايزان في الأوساط التي من شأنها أن تتلقــف كـــل منـــهما، مـــا يضاعف من تأثيرهما مجتمعتين.

فالسردية الأولى تقول أن هيلاري كلينتون كانت عرّابة التزكية المزعومة للمجموعات المرتبطة بالإخوان المسلمين كحلفاء موضوعيين للولايات المتحدة في أعقاب تحولات الربيع العربي. والشواهد على دور كلينتون المفترض هذا عديدة وفق السردية، ولا سيما منها إسراعها لإغداق المشروعية على تولي أطراف من هذا الفريق الحكم في مصر وتونس، وزيارتها للقاهرة لتثبيت إقرار واشنطن بهذه المشروعية، بالإضافة إلى ما يعتبره خصومها حفاوة مرفوضة لاستقبال وفود مرتبطة بالإخوان من مختلف الأقطار في وزارة الخارجية.

يذكر هنا أن الثقافة السياسية الأميركية، بقدر ما تلتفت إلى هذا الموضوع، لا تميز بين توجهات سلمية أو جهادية، وسطية أو جهادية في ترسيمها لمعالم الإسلام السياسي. بل الغالب لدى هذه الأوساط الكلام على أن الإسلام والولاء للولايات المتحدة لا يجتمعان، إلا بإنقاص الجامع بينهما لبعض ولائه لأحدهما. فوفق هذه السردية، هيلاري كلينتون قد أخطأت خطأ فادحاً يخرجها عن دائرة الأهلية لتولي المسؤولية العامة العليا. وما لم يتم تفنيد هذه السردية بدقة، فإنه من شأنها أن تلاقي إقبالاً واسع النطاق في الولايات المتحدة.

أما السردية الثانية فتذهب أبعد من الحديث عن الخطأ بكثير، لتزعم أن كلينتون هي فريسة مؤامرة إخوانية قد تمكنت من اختراق طاقمها والتأثير على قرارها السياسي لمصلحة الإسلام السياسي. والأدلة على هذا الزعم وفيرة، إذا رضي المتابع بمعايير البرهان الواهية التي تستعمل لتأكيده. ففي صفوف طاقم كلينتون عدد من الأميركيين المسلمين، وللبعض منهم بالفعل حضور بارز ونشاط فعّال. وبعض أنسباء هؤلاء، من الذين قربوا أو بعدوا، كانت لهم حيناً علاقة بتنظيم أو حركة على نهج الإخوان. فتسليط الضوء على هذا الخيط الرفيع للمباشرة بتصعيد خطابي من الشبهة إلى الشك فالظن واليقين. وينتقل عبء الإنكار إلى كلينتون وطاقمها. والمشكلة الفعلية التي تواجهها كلينتون هنا أن الريبة التي تحيط بالإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة ترفع من صدقية هذه المقولة، على ضعفها، لدى أوساط واسعة.

كان باراك أوباما لدرء الاتهام بالإسلام خلال حملته الانتخابية قد تجنب كل ما يمتّ إليه بصلة، بما في ذلك مطالبة المحجبات بالجلوس حيث لا يظهرن بالصورة معه. أما كلينتون فمشكلتها أعمق، ذلك أنها تعمدت استقطاب أصحاب الكفاءات من الشباب الأميركي المسلم للعمل معها. لا سبيل إذن إلى التنصل، بل الأجدى قد يكون دعوة إقدامية للثقافة الأميركية إلى مواجهة عيب التمييز والرغبة بالإقصاء بحق الإسلام والمسلمين.

About this publication