Russia, America and the Replay of McNamara’s Trap

<--

فخ لروسيا أم فخ مزدوج؟

تاريخيا، تعزى أسباب اشتعال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي السابق وحلف الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، إلى الخلاف الذي وقع عام 1949 حول مستقبل ألمانيا، حيث كان السوفيات يدعمون مقترح وحدة ألمانيا على خلاف أميركا والدول الغربية. وفي بداية ستينيات القرن الماضي اتخذ السباق منحى مختلفا، بعد أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا والصواريخ الأميركية في تركيا، حيث عملت إدارة الرئيس جون كينيدي على زيادة سباق التسلح لإنهاك الاتحاد السوفياتي اقتصاديا.

صاحب الفكرة ووضع خططها العملية آنذاك وزير الدفاع الأميركي حتى عام 1968 روبرت مكنمارا، وظل يعمل على هذه المهمة لاحقا أثناء عمله مديرا للبنك الدولي حتى عام 1981، ويذكر أيضا أنه يعتبر المهندس الفعلي للحرب على فيتنام تحت مسمى “محاربة المد الشيوعي”.

وواصلت الإدارات الأميركية العمل على تطبيق هذا المبدأ، حتى وصلت إلى ذروتها في عهد الرئيس رونالد ريغان بإطلاق ما يسمى بمشروع “الدفاع الإستراتيجي” الذي اشتهر باسم “حرب النجوم”، وثبت لاحقا أنه لم يكن سوى خديعة، دفع ثمنها غاليا الاتحاد السوفياتي بنزيف اقتصادي كان من أسباب انحلاله لاحقا.

فالولايات المتحدة لم تكن باستطاعتها حينها رصد مئات مليارات الدولارات لمشروع تطوير منظومة دفاعية تقوم على الصواريخ وأشعة الليزر والأقمار الصناعية خارج الغلاف الجوي لاعتراض الصواريخ العابرة للقارات، فضلا عن أنها لم تكن تمتلك تقنيات كافية لتنفيذه على أرض الواقع.

لكن إدارة الرئيس ريغان نجحت في تمرير خديعتها، وأصابت من الاتحاد السوفياتي مقتلا في الاقتصاد، وهو ما تحاول أن تستنسخه إدارة الرئيس أوباما ضد روسيا. بعض الخبراء يرون أن روسيا غير محصنة من الوقوع في الفخ، بينما يرى آخرون أنه فخ مزدوج لأنه “سلاح ذو حدين”، رغم الفارق الكبير في قدرة كل من روسيا والولايات المتحدة على تحمل تبعات جولة جديدة من سباق التسلح.

وكواحدة من تداعيات الأزمة الأوكرانية، عاد إلى الواجهة سباق التسلح بين روسيا والولايات المتحدة، في وضع يشبه في وجوه عدة الخلاف على مستقبل ألمانيا عام 1949، ويحاكي ظروف نصب فخ كنمارا للاستنزاف الاقتصادي.

بالمقارنة بين إنفاق كل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية على التسلح، تنفق واشنطن على التسلح ما متوسطه في السنوات العشر الأخيرة 4% من الناتج المحلي الإجمالي ويوازي أكثر من 44% من الإنفاق العالمي في هذا المجال، بينما تبلغ نسبة الإنفاق العسكري في روسيا ما يقارب 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يصل إلى 5% عام 2016.

وبلغة الأرقام -على سبيل المثال- أنفقت واشنطن 619 مليار دولار أميركي في عام 2013، مع ذلك انخفض الإنفاق العسكري الأميركي مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي من 4.8% في عام 2009 إلى 3.8% في عام 2013، نتيجة لسياسة التقشف المالي المتبعة في الولايات المتحدة. بينما ارتفع حجم الإنفاق العسكري الروسي ليبلغ ما يقارب 70 مليار دولار في العام نفسه، ومن المقدر له أن يصل 100 مليار دولار عام 2016.

وعلى عكس الولايات المتحدة، تشكل نسبة زيادة الإنفاق العسكري في روسيا عبئا كبيرا جدا على الاقتصاد الروسي، الأصغر حجما بكثير من الاقتصاد الأميركي، بالإضافة إلى الفارق الواسع في تطور البنية التحتية والقدرات التكنولوجية، ومقدرة واشنطن على توظيف الحروب والنزاعات في صالحها ضمن آليتين، كما جرى في الماضي تمويل شركائها للعمليات الحربية وعقد صفقات تسلح كبيرة تنعش قطاع الصناعات العسكرية.

وتواجه روسيا تحديا كبيرا في تطوير اقتصادها، من اقتصاد يتسم بالريعية، باعتماده على صادرات الغاز والنفط والمواد الأولية، إلى اقتصاد متطور ومتنوع. في حين برزت في الفترة الأخيرة بوادر تعاف في الاقتصاد الأميركي، فضلا عن ملاحظة إثباته مقدرته على التعايش مع نسب مرتفعة من الدين العام.

معادلة غير متكافئة

على ضوء ما سبق، يحذر بعض خبراء الاقتصاد الروس من مغبة انجرار روسيا إلى سباق تسلح جديد من شأنه أن ينهك الاقتصاد الروسي، بينما للولايات المتحدة مصلحة في إشعال حروب كبيرة تصب في صالح تعويض خسائرها الاقتصادية، نتيجة تداعيات الأزمة المالية عام 2008، وإنعاش اقتصادها. وإذا لم ينتبه صناع القرار في موسكو لهذا الأمر يمكن أن تقع روسيا في براثن نسخة محدثة لفخ مكنمارا الذي وقع فيه الاتحاد السوفياتي.

About this publication