Uncertainty about Winning the War Against Terrorism

<--

ارتياب في كسب الحرب ضد الإرهاب

مع أن الولايات المتحدة، وهي من هي عديداً وعدة، وقدرة ومقدرة، كانت قد خفضت منذ البداية سقف توقعاتها من الحرب التي شرعت في خوضها ضد الإرهاب، وأعلنت قبل بدء حملتها الجوية أن أهدافها لا تتعدى إضعاف تنظيم “داعش” وكبح اندفاعه، فإن هناك بيننا من يتحدثون بيقين مطلق بأن هزيمة “داعش” ممكنة وفي متناول يد التحالف الدولي، وأن المسألة مسألة وقت ليس إلا.

يُسقط المتحمسون للمواجهة العسكرية مع الإرهاب من حساباتهم أن حروب الجيل الثالث لم تُحسم، ولو لمرة واحدة؛ وأن المعارك بين القوى غير المتماثلة معارك طويلة، باهظة الكلف وبلا نهاية. إذ لم تتمكن الدولة العظمى الوحيدة من كسب مثل هذه الحرب في أفغانستان أو العراق، ولم تستطع إسرائيل، وهي القوة الإقليمية المتفوقة، أن تربح سلسلة من المعارك الكبرى في قطاع غزة أو جنوب لبنان.

فالحرب في أفغانستان دخلت العقد الرابع من عمرها، وما تزال بلا نهاية مرئية. وكذلك الأمر في العراق، الذي كلما خبت فيه جولة عنيفة، تولدت أخرى أشد عنفاً، من دون أن تبدو شمعة مضيئة في نهاية النفق الطويل. وتنطبق الحال ذاتها على كل الحروب الأخيرة مع إسرائيل، التي باتت تدرك أن كل وقف لإطلاق النار هو مجرد هدنة بين حربين، التالية منها تكون أشد هولاً من سابقتها.

ويزيد من صعوبة الأمر أننا، اليوم، أمام لاعب يتفوق على كل ما شهدناه سابقاً من لاعبين غير دولاتيين؛ من حيث القوى المادية والدافعية الذاتية، ناهيك عن الوحشية والجاذبية، وغير ذلك من العوامل التي افتقد إليها تنظيم “القاعدة” مثلا. ولعل تجربة الأشهر الماضية تبين أنه حتى الهدف المتواضع الذي حددته أميركا لتحالفها الدولي لم يتحقق؛ إن لجهة إضعاف “داعش” أو لجهة كبح جماحه، فهو ما يزال يتمدد ويهاجم بضراوة.

ولا أحسب أن إخراج “داعش” من بلدة عين العرب (كوباني) يؤشر على بداية تراجع من جانب هذا التنظيم الذي قام بتضليل استراتيجي ناجح لقوات التحالف، استهلك خلالها نحو 75 % من الضربات الجوية على مدى أربعة أشهر، فيما ظل اهتمامه منصباً على الرقعة العراقية التي تبدو لديه أشد مركزية من الساحة السورية في هذه المرحلة.

وإذا كانت التقديرات الكردية عن قوة “داعش” العددية في العراق صحيحة، وهي نحو 200 ألف مقاتل، يتموضعون في مدن وقصبات وفيافي واسعة، ولديهم أسلحة خمس فرق عسكرية استولوا عليها من جيش المالكي، ويتدفق عليهم نحو ألف مقاتل أجنبي كل شهر، فإننا والحالة هذه أمام معضلة كبرى، تعجز عن مجابهتها حتى الجيوش البرية الأميركية التي سبق لها أن اخفقت في حربها العراقية، وانسحبت تحت ضربات مقاومة لم تتمتع في أي يوم مضى بما يتمتع به “داعش” من قدرات بشرية وتسليحية، وموارد مالية، وكتلة سكانية، ومساحة جغرافية.

أكثر من ذلك، فإن ظاهرة الإرهاب لم تعد، بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة، مجرد ظاهرة عابرة تطفو على قشرة الحياة السياسية الاجتماعية في بلادنا، وذلك بعد أن تمكنت من الأرض، وتغلغلت في النفوس، واحتلت المشهد العربي الإسلامي، من بلاد طالبان إلى أدغال “بوكو حرام”، ودخلت طور الهجوم الفتاك في المشرق العربي وشمال أفريقيا، إن لم نقل إنها تحولت إلى وباء مستوطن، لا دواء ناجعا له. وهو أمر يبدو أن أميركا تعلمه علم اليقين، لذلك تعمل على إدارة الأزمة وليس حلها.

فما العمل، إذن، إذا كان هذا الارتياب في الانتصار على الإرهاب في محله؟ وما هو الخيار المتاح للدول الصغيرة، إذا كانت الدول الكبرى مستنكفة عن المواجهة البرية معه؟

ما ندعو إليه هو رباطة الجأش، والاعتصام بالأناة والحكمة، وعدم الانزلاق أبداً إلى حرب برية قد تمتد لعشرات السنين ولا طائل من ورائها؛ على أن نمضي معاً في تحصين الحدود، وتوطيد أركان البيت الداخلي، واتباع سياسة التحوط والاحتواء، وتجفيف منابع التطرف والغلو في مهادها، والمضي في عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي والديني من دون تردد، لعلنا بذلك نستطيع في نهاية مطاف متوسط المدى لجم هذه الظاهرة المتغولة، والحد من مخاطرها، ومن ثم التصرف إزاءها كعاهة دائمة.

About this publication