Obama and the Arab World

<--

سياسة الرئيس أوباما تجاه العالم العربي تثير رضا البعض وحنق البعض الآخر. إذا وضعنا القضية الفلسطينية جانباً – بسبب حجم تأثير إسرائيل على هذا الملف في الكونغرس والإعلام – فإننا نجد تبايناً واضحاً في الموقف من سياسات أوباما تجاه القضايا المتعلقة بسورية، إيران، وملف الصراع على السلطة في العالم العربي عموماً.

هنالك من يدعو في العالم العربي لتدخل أميركي مباشر في سورية لإسقاط نظام بشار، وهنالك من يدعو لإعلان الحرب على إيران أو على أقل تقدير تشديد العقوبات الاقتصادية عليها، وهنالك من يتهم الولايات المتحدة وإدارة أوباما تحديداً بالوقوف خلف الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت العديد من البلدان العربية وبأنها كانت تنسق عن قرب مع التيار الإسلامي الوسطي لمساعدته للوصول للسلطة. إدارة اوباما أيضاً متهمة بأنها تخلت عن حلفائها (مبارك وبن علي) عندما احتاجوا لها.

هنالك في المقابل من يرى، وأنا منهم، بأن المصادفة في وقوع أحداث الربيع العربي في عهد أوباما كان فيه رحمة للناس في الشرق الأوسط. تخيلوا مثلاً لو أن الإدارة الأميركية سهلت عملية القمع للشعبين الثائرين في تونس ومصر سواء بتحريض قادة جيوش البلدين على قمع شعبيهما أو بالإيعاز لحلفائها للقيام بذلك. كنا سنشاهد بالتأكيد آلاف الضحايا في البلدين، هذا إن لم يؤد القمع الى حروب أهليه كما هو حال سورية وليبيا. تخيلوا أيضاً لو تدخلت أميركا في سورية. كانت ستسقط النظام بالتأكيد، لكنها، وكما حدث في العراق، كانت ستغادر في نهاية المطاف بعد آلاف الضحايا تاركة سورية للجماعات التكفيرية السيطرة عليها. في وضع كهذا كانت لبنان والأردن ستتحول أيضاً لساحات حرب. الحرب على إيران، كما تريد إسرائيل ومعها بعض القادة العرب، كانت ستكون الجنون بعينه لأنها ستؤدي الى حرب شاملة نطاقها سيشمل بالإضافة الى إيران، سورية، العراق، لبنان، إسرائيل، ودول الخليج أيضاً.

أوباما يدرك جيداً بأن الاقتراب كثيراً من مشاكل المنطقة ستترتب عليه التزامات أميركية- مادية وبشرية لا ترى إدارته ضرورة لها. الأهم، أنها ترى أن تدخلها لن يفضي الى حلول في المنطقة بل الى أزمات جديدة.

أميركا لا تستطيع إحداث مصالحة بين نخب البلد الواحد. يمكنها بالتأكيد استثمار «صراع النخب» لصالحها، لكنها يقينا لا تستطيع فرض مصالحة داخل العراق أو سورية أو اليمن او ليبيا أو مصر. هذا يتطلب رغبة من النخب نفسها لإعلاء مصالح بلدانهم على مصالحهم الخاصة الضيقة. أميركا تستطيع الدفاع عن السعودية ودول الخليج العربي إذا تعرضت للتهديد- ليس حباً فيها ولكن حماية لمصالحها، لكنها لا تستطيع إقناع حكام البحرين بإجراء انتخابات نزيهة وحرة للتداول على السلطة، ولا تستطيع مثلا إجبار السعودية على السماح للسيدات بقيادة السيارات.

للنفوذ الأميركي حدود لأن المصادر التي تخدم هذا النفوذ ليست بلا سقف واستخدام ما هو متوفر منها يكون في حدود الدفاع عن مصالح أميركا الحيوية- النفط، المعابر المائية، التجارة الحرة، وإسرائيل بالطبع في حالة تعرضها لخطر وجودي. أوباما يدرك ذلك ويعلم بأن احتلال العراق كان خطأ إستراتيجياً ارتكبته إدارة بوش، ليس فقط بسبب حجم الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي ترتبت على الاجتياح، ولكن لأنه أدى الى زيادة نفوذ الجماعات التكفيرية في المنطقة وأدى الى خلل في موازين القوة في المجال الإقليمي.

إدارة أوباما محقة في عدم رؤيتها لخطر إيراني على دول الخليج العربي. أولاً، لأن أميركا توفر لهذه الدول مظلة حماية تمنع أيا كان من الاعتداء عليها. وثانياً، لأن مشاكل هذه الدول مع شعوبها وليس مع إيران وفي هذه الحالة لا يوجد ما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله كثيراً لمساعدتها.

عاصفة الحزم مثلاً التي أعلنتها الرياض على حوثيي اليمن تتم تحت شعار أنهم أداة إيران التي يجب قطعها والتي يمكن من خلالها أن يتم تهديد السعودية نفسها. فقط في العالم العربي يمكن وصف عشرة ملايين مواطن بأنهم عملاء لدولة أجنبية، تماما مثلما يتم وصف ثلثي الشعب العراقي. الطريق الأقل كلفة لأمن السعودية هو مساعدة اليمن على تجاوز محنته الاقتصادية ومساعدة نخبة المتصارعة على الحكم على تقاسم السلطة فيه، وهو نفس الحل الذي يجب أن يتم في سورية، لا تصدير الإرهابيين ودعمهم بالمال والسلاح-هذه وصفة لحروب دائمة ودامية ولاستمرار معاناة الشعب السوري، وفوق ذلك، هي وصفة لاستمرار انعدام الأمن للعديد من الدول المجاورة لسورية.

قرأت للبعض من العرب ممن يتهم الرئيس أوباما بفقدانه للمهارات القيادية وبأنه أضاع هيبة «الإمبراطورية» الأميركية بسياساته الرافضة للتدخل عسكرياً في المنطقة. الحقيقة بأن الناس في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع محظوظون بوجود إدارة أميركية على رأسها أوباما لأن التدخل العسكري في المنطقة سيغذي الجماعات التكفيرية وسيؤدي الى سقوط دول بأكملها في قبضتهم. بعدها بالتأكيد، كما هو الحال دائما، سيتم اتهام أميركا بأنها متحالفة مع الجماعات الإرهابية لأنها سهلت لهم الطريق للوصول الى السلطة.

About this publication