The Chance for Less Fortunate Schools

<--

“فرصة” المدارس الأقل حظاً

قد لا يعرف كثيرون أنه حتى في الولايات المتحدة، التي تكاد تتسيد العالم في أغلب مؤشرات الثراء اقتصاديا، كما الازدهار علميا وعسكريا وسياسيا، ثمة مناطق “أقل حظاً” تعليمياً، بالمعنى ذاته تماماً الموجود في الأردن، والعالم العربي عموماً. لكن واحدة من الاستجابات الأميركية التي تغيب تماماً عن حلولنا المقترحة، رغم إمكانية تطبيقها، وفوائدها الواسعة والعميقة التي تكاد تطال فعلياً كل مجالات الحياة، هي الاستجابة المجتمعية غير الحكومية، القائمة على العمل التطوعي.

تلك الاستجابة، جسدتها على أرض الواقع الطالبة بجامعة برينستون، ويندي كوب، التي درست في بحث تخرجها من مرحلة البكالوريوس، ظاهرة عدم المساواة في الولايات المتحدة على صعيد فرصة التعلم. ولتُتبع ذلك مباشرة، في العام 1989، بإطلاق مبادرة “علّم لأجل أميركا” (Teach for America)، التي تقوم على إرسال معلمين “متطوعين”، يشترط تخرجهم من بعض أهم وأعرق الجامعات الأميركية، للتدريس في المناطق “الأقل حظاً” لمدة عامين.

ولعل أكثر ما لفت النظر في المبادرة، بحيث صارت منذ بداياتها الأولى قصة تُروى وتُدرّس بنجاحها، هو حجم الراغبين في التطوع من خريجي كبريات الجامعات الأميركية، منذ السنة الأولى في العام 1990؛ إذ بلغ عددهم 2500 متقدم للتدريس (وصولاً إلى أكثر من خمسين ألفاً في العام 2014)، مع أن أهم أسباب المشكلة الأصلية؛ عدم المساواة التعليمية، تتمثل في عدم توفر مدرسين أكفاء في تلك المناطق.

وإذ بدأت “علّم لأجل أميركا” عملها في ست مناطق، يستفيد منها أكثر من عشرين ألف طالب وطالبة، فإنها اليوم تمتد إلى خمسين من المناطق “الأقل حظاً”، ويستفيد منها أكثر من 600 ألف طالب وطالبة. أما خريجو المبادرة فيضمون الآن شاغلين لمناصب مرموقة متعددة، كما يظهر على الموقع الإلكتروني للمبادرة.

سيُقال طبعاً إن “أميركا غير”، لاسيما على صعيد ثقافة العمل التطوعي. لكنها قد تكون فرصة، من خلال مبادرة منظمة جادة، لمفاجأة أنفسنا إيجاباً! وإلا فتشخيص خلل مجتمعي شامل هو الأولى بالمعالجة، وليست المدارس التي لم ينجح فيها أحد، إلا أحد جوانبه البسيطة.

كما أن الأردن تحديداً يضم نموذجاً واحداً على الأقل، يُحتذى؛ عرف به كثيرون بعد رحيله للأسف في العام 2012، من خلال الزميل د. باسم الطويسي، هو المرحوم محمد عيد الدماني الحويطات، والذي كان “معلماً رحالا مع القبائل البدوية، في منطقة واسعة من الصحراء الشرقية الجنوبية والوسطى الممتدة من الجفر مروراً بباير ووصولاً إلى الأزرق”، وبلا مقابل! فاستحق بحسب الزميل الطويسي مسمى “وزير التعليم في الصحراء الشرقية”.

طبعاً، كل الحلول المقترحة لمواجهة التفاوت التعليمي ضرورية، لكن الحل المجتمعي التطوعي يبدو الأكثر قابلية للتطبيق في أسرع وقت، وإلى حين استكمال شروط إتيان الحلول الأخرى نتائجها المرجوة. هذا عدا عن حقيقة أن التطوع التعليمي يتعدى في نفعه حتماً حدود توفير فرصة تعليم عادلة في المناطق النائية والأقل حظاً، إلى تعزيز النسيج الوطني بمعناه الأوسع، فتكون المشكلة الأصغر فرصة وطنية بالمعنى الأوسع والأشمل

About this publication