New Phenomenon in American Politics

<--

خيب برني ساندرز، المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية آمال المتشددين من مؤيديه عندما أعلن انسحابه من المعركة الانتخابية ودعا مؤيديه إلى تأييد منافسته هيلاري كلينتون. لقد تأمل هؤلاء أن يخوض المعركة حتى النهاية مستمراً في تسليط الأنظار على علاقة منافسته بالشركات العملاقة. واختلطت هذه التوقعات مع التطلع إلى تحويل هذه المعركة الانتخابية من صراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إلى صراع بين المصالح المالية الكبرى (وول ستريت) وبين ممثلي الطبقات الاجتماعية المحدودة الدخل، وبين اليمين واليسار.

لقد أثارت الانتخابات الرئاسة الأمريكية حتى الآن اهتماماً واسعاً في العالم. وتعددت أسباب الاهتمام لدى الكثيرين، فمنها ما تعلق بدور دونالد ترامب لما أظهره من غرابة الأطوار ولما جاء به من شعارات اعتباطية ونقيضه لأفضل ما في تاريخ الحزب الجمهوري الأمريكي لجهة إلغاء العبودية والتمييز العنصري.

ومن أسباب الاهتمام أيضاً احتمال فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة فتكون بذلك أول امرأة تدخل البيت الأبيض وهو أمر له رمزيته خاصة وأنه يأتي بعد ولاية باراك أوباما الإفريقي الأصل.

أخيراً لا آخراً، انصب جانب كبير من الاهتمام بالانتخابات على ساندرز وعلى المعاني التي اكتسبتها معركته. فهو أول مرشح رئاسي، وربما أول سياسي أمريكي بارز يصف نفسه بأنه مرشح ديمقراطي اشتراكي فكأنه أراد أن يؤكد أن عهد المكارثية في الولايات المتحدة قد انتهى إلى الأبد.

وكما أشرنا أعلاه، فقد رغب المتشددون من أنصار ساندرز والمتعاطفون مع الثورة الاجتماعية التي أطلقها أن تبقى ظاهرة برني على «نقائها» أي بعيداً عن المساومات السياسية، وأن يمضي في معركة مزدوجة ضد قوى اليمين المتطرف ممثلاً بترامب وضد الوسط ممثلاً بهيلاري. ولكنه شاء أن يتجاهل رغبات المتشددين من مؤيديه تجنباً لانقسام معارضي ترامب إلى فريقين ما كان كفيلاً بتسهيل دخوله البيت الأبيض. ولعل ساندرز في ذلك أخذ بعين الاعتبار التجارب التاريخية التي مرت بها الديمقراطيات في أوروبا. فهناك عندما باشر اليمين المتطرف صعوده على حساب الأحزاب والقوى السياسية الوسطية، ترددت أكثر أحزاب اليسار في التعاون مع الأحزاب الليبرالية والوسطية في مكافحة اليمين المتطرف. ودفع اليسار وأوروبا والمجتمع الدولي ثمناً باهظاً بسبب التقييم المنقوص للأخطار المحدقة بالبشرية.

تطل هذه الأخطار مرة أخرى على الساحة الدولية عبر دونالد ترامب أولاً، ورغم أن البعض يضع كلينتون في مصاف الخطر الأكبر على الأمن الدولي، إلا أن ترامب نفسه لا يرضى بهذا التقييم ويصر على أنه هو السياسي الأكثر «حربجية» في الولايات المتحدة. ويوفر هذا الواقع حافزاً لبناء تيار عريض عالمي ضد النزاعات المسلحة التي يتشكل منها المشهد الدولي. ويشمل هذا المشهد التوترات والتهديدات المتبادلة بين واشنطن وبكين حول الأوضاع في بحر الصين الجنوبي، والأوضاع المشابهة لها على طول خطوط التماس بين روسيا وجيرانها في الغرب والجنوب. يضاف إلى كل هذه الأوضاع مشاهد أخرى متفرقة مثل نجاح اليمين المتطرف في الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، واكتساح الحزب الليبرالي الديمقراطي نتائج الانتخابات في اليابان بزعامة آبي الذي يميل إلى التشدد تجاه الصين. إن هذا كله يحول احتمال نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أمراً غير مستبعد إذا سار الحزب الديمقراطي الأمريكي إلى الانتخابات الرئاسية وهو منقسم على نفسه بين بيرني وهيلاري.

إن تأييد ساندرز لكلينتون لن يؤدي إلى ضمان نجاح الأخيرة في الانتخابات الرئاسية، كما أن نجاحها لا يعني توفير ضمانات كافية للتخفيف من الاحتقان المهيمن على الأجواء الدولية. ولكن هذا التأييد سوف يسمح لساندرز ومناصريه بالتأثير على إدارة كلينتون بما يساعد على ابتعاد الولايات المتحدة عن اتباع سياسات مغامرة مثل حرب العراق، أو من نمط أوسع نطاقاً وأكثر خطورة على الأمن العالمي.

فضلاً عن ذلك فإن دور ساندرز في الإدارة الجديدة سوف تكون له أهمية ليس فقط على الصعيد العالمي فحسب، وإنما أيضاً على صعيد سياسة الولايات المتحدة تجاه القضايا العربية التي يبدي تعاطفاً معها وخاصة قضية فلسطين، ومع حقوق الفلسطينيين التي تسمح لهم بالحياة الكريمة. ومما يضاعف من أهمية المواقف التي يتخذها ساندرز هو أنها تعكس الآراء السائدة بين الأمريكيين والأمريكيات في سن الشباب. وهذه الميزة توفر لهؤلاء الشباب القيادة السياسية التي تحسن بلورة أفكارهم ومواقفهم تجاه شتى القضايا الدولية ومنها القضية الفلسطينية، كما تسمح بتحويلها إلى قرارات ومواقف، فلا تبقى مجرد مطالبات ومواقف عابرة للفضاء السياسي الأمريكي من دون أن تترك أثراً ملموساً على السياسة الأمريكية الخارجية.

About this publication