America’s Deep State

 

 

<--

منذ الآن حتي الخريف القادم سوف يكون موضوع الانتخابات الامريكية علي اجندة الاعلام والصحافة العربية والعالمية، مناقشة وتوقعا وربما آمالا ايضا ، واضح الآن أن هناك مرشحين لسدة الرئاسة ، هما السيدة هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي، والسيد دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري، هما فرسا الرهان في انتخابات الخريف القادم، والرهان علي أي منهما سوف يحتل البيت الابيض في مطلع عام 2017 هو رهان غامض، سوف تحدده التطورات اللاحقة علي المستوي الداخلي والخارجي، وسوف تقرر تلك التطورات من يكون السيد أو السيدة، هو الذي سوف يفوز برضا الجمهور الناخب.

الامر ليس سهلا التنبؤ به في هذا الوقت المبكر وفي خضم هذه البيئة الانتخابية الامريكية القلقة والتي من الواضح انها تتغير بشكل متسارع، الاسباب عديدة لهذه التغيرات، منها الاقتصادي في الاساس، ومنها تركة إدارة السيد اوباما التي لم تكن علي قراءة صحيحة بالمتغيرات العالمية، وتقاعست، كما يراها الطرفان المتنافسان، عن تحقيق مصالح الولايات المتحدة في معركة التنافس الدولي الحاد، ومنها ايضا الأوضاع العالمية المتشابكة وحروب الانابة، ثم خاصة في موضوع الارهاب الدولي الذي يؤرق النخبة الأمريكية ويهدد مصالحها.

الروح المعنوية العالية التي كانت للديمقراطية في الولايات المتحدة، والتي غدت امثولة لفترة طويلة لكثير من الشعوب علي الاقل في النصف الاول من القرن العشرين، لم تعد كما كانت، ضربتها رياح التغيير فتراجعت تلك الروح بمقياس تراجع الاقبال علي صناديق الانتخاب من جهة، والذهاب الي التشدد والعزلة من جهة أخري، فهناك شرائح مختلفة من الشعب الامريكي لسبب أو لآخر لم تعد مهتمة بممارسة حقها الانتخابي، تري أن الحكومة المركزية في واشنطن لا تختلف كثيرا بين الديمقراطيين أو الجمهوريين، هي تبادل مصالح بين النخب، وبالتالي ترك الصراع بين تلك النخب يأخذ مجراه.

المعسكر التابع للسيد ترامب يُنشط الذاكرة الجماعية للبيض الامريكان انهم مهددون في معيشتهم (الاقتصاد) وفي أمنهم (الهجرة والارهاب) لذلك استفز هذا المعسكر اسوأ ما في الذاكرة الجمعية للجمهور الأمريكي الخوف من الآخر، خاصة أن كثيرا من البيض ذوي الياقات البيضاء أو الزرقاء يشعرون أنهم مهملون من المعسكر الديمقراطي، وأنه معسكر له اولويات خارج اهتمام الجماعات البيضاء التي أصبحت بالنسبة له مهمشة! كما أن الحزب الجمهوري لم يعد ممثلا حقيقيا لهم، فاتجهوا الي شخصية خارج السياق النخبوي المتعارف عليه وهو دونلد ترامب الذي اكتسح بشعاراته المتشددة الجمهور الناخب الابيض في الحزب الجمهوري وحتي خارجه ، الامريكيون بدرجة ما تعتمد أفعالهم علي درجة من المركزية الاثنية، ولها تأثيرها في كيف يفكر الامريكي العادي في المدن وخارجها ، كما أنهم كما تذكر بعض الدراسات العلمية السياسية وكما اشار كتاب صدر في السبعينيات من القرن الماضي بعنوان (التفكير اللاعقلاني) يقول الكاتب في نهاية الكتاب (أثبتت الادلة باختصار ان الجماهير الأمريكية لا تزال سهلة الانقياد نحو التطرف السياسي ، بينما النظام السياسي في الولايات المتحدة، وإن كان اقل عرضة لذلك ، فهو بالكاد يتمسك بمواقفه) يبدو ان الكلمة المفتاح في هذا النص هي (بالكاد) التي تآكلت كما يظهر في الخمسة والاربعين عاما المنصرمة، بعد نشر تلك الدراسة، بسبب الخيارات التي اتخذتها الادارات المختلفة وتغيير البيئة السياسية الداخلية والدولية! انتخاب الرئيس باراك اوباما هو نوع من (التطرف) إلي اليسار، فلم يكن أحد من المراقبين يتوقع ان يصل الي البيت الابيض رجل ذو بشرة سمراء! ولكن الجمهور الناخب قد فعلها، هذا التشكيك حتي السيدة كلينتون اشارت اليه في إحدي زلات لسانها عندما كانت في سباق مع السيد باراك لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي قبل عشر سنوات تقريبا، حيث اشارت الي احتمال ما معناه (إزالة الرئيس الاسمر بعمل عنفي)! وإذا قرأنا التطرف كما تجب قراءته، فانه من المتوقع ان تدخل السيدة كلنتون في الاشهر القليلة القادمة في شباك (الدولة العميقة الأمريكية) في محاولة لتعطيلها أو جرح صدقيتها ، وقد بدأت الشباك تحوطها كما فعلت في الاسبوع الماضي عندما مثلت للتحقيق امام جهاز المخابرات، كما ان المحتمل في الاشهر القادمة ان تخرج لها (مفاجآت) لها علاقة بعملها كوزيرة خارجية سابقة في العهدة الاولي لإدارة باراك أوباما، هذا محتمل حتي التحقيق في لجنة من لجان الكونجرس، إما لوضع عراقيل أمامها أو حتي تعطيل مسيرتها، مزاج الدولة الامريكية (العميقة) يذهب الي التشدد جراء الاحداث الداخلية والخارجية، فهي ـ أي الولايات المتحدة ـ في مرحلة (عدم يقين) شديدة! يبقي وصول السيد ترامب الي البيت الابيض محتملا بسبب تلك الروح المتشددة في الجمهور الامريكي والقلقة إلي حد الخوف المرضي، ولعل شاهد للخوف المرضي ما تعرض له المواطن الاماراتي الاسبوع الماضي من الاعتقال والاهانة، لا لشيء إلا لانه قد ارتدي (ملابس عربية)! وهو أمر يشي عن الفوبيا التي ترسخت لدي الجمهور العام، وقد أصبح هناك حوادث مماثلة لاناس أبرياء فقط لان مظهرهم او اسماءهم عربية أو مسلمة ولكنها لم تصل الي العناوين الرئيسية في الاعلام ، لم تعد الدولة العميقة بقادرة علي اخفاء سهولة انزلاقها الي الخوف المرضي من الآخرين. تلك النغمة التي احبها جمهور ترامب و لعب عليها معسكره الانتخابي حتي الثمالة كما يقال. ليس بعيدا عن ذلك تلك الهجمة المركزة ضد الدول العربية، التي مازالت تحمل كما من السلبيات والتشويه تضخم اكثر في ذهن المواطن الامريكي ( شرور) عالم العرب المسلمين ، وجنات غيرهم من الاقوام !.

أمام هذا الجو الملتهب فان الرهان علي تغيير لمسار السياسات الامريكية في الشرق الاوسط هو رهان علي الاقل غير حصيف و بالتالي فان الصراعات في المنطقة الدامية والخطيرة سوف تستمر، وأيضا تُسمع بشكل دموي في المحيط الاقليمي لتلك الصراعات، والدولة العميقة في الولايات المتحدة سوف تستمر في الدعوة اللفظية للاشتباك في قضايا المنطقة والعمل الفعلي في عدم الاشتباك، اما بالنأي بالنفس، او افساح المجال لقوي اخري دولية او اقليمية لاخذ المبادرة ،فالتحوط الواجب في الاقليم، خاصة مؤسساته السياسية، هو الاولي بالتفكير من الاعتماد علي الغير مهما بدا كلامه معسولا الي الاعتماد علي النفس وبناء تحالفات مختلفة، الامر الذي قرأه ربما السيد اردوغان في تركيا واحدث تلك الاستدارة التي اعتبرها البعض مفاجئة!.

About this publication