What’s Going On in America?

<--

سنة بعد أُخرى يزداد العالم اهتماماً ومتابعةً لما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لم تعد شأناً داخلياً أمريكياً، بل تنال متابعةً واهتماماً بالغين من قِبل الرأي العام العالمي، الذي بات على يقين بأن الولايات المتحدة أصبحت مصدراً للخير أو الشر الذي يمكنه أن يعم العالم قاطبة. والدليل القاطع المانع على ذلك يتمثَّل في درجة التمدد العسكري الأمريكي أُفقياً، وفي القارات الخمس، بالإضافة إلى التواجد الاستراتيجي في كامل البحار والجزر والمحيطات العالمية.

خلال العقود الماضية كانت المؤسسة الرئاسية الأمريكية تتمتَّع بقدر كبير من الهيبة المقرونة بالمكانة النافذة في صناعة القرار السياسي الداخلي واستتباعاته الدولية، لكن هذه المؤسسة تعرضت لخدش بالغ أثناء رئاسة بيل كلينتون، حيث بدت الانتهاكات الصارخة لمكانة المؤسسة الرئاسية فاقعة اللون، من خلال تقديم عشرات المجلدات الخاصة بما سمي فضيحة «مونيكا لوينسكي»، ولم يتورَّع اللوبي المُستهدِف لمكانة رئاسة الدولة من إحضار الملابس الداخلية للعشيقة الافتراضية، في سلوك مفارق تماماً للمكانة الأخلاقية والقيمية لأكبر موظف عام في الدولة.

جاء أوباما بعد حين، لكنه بدا مستوعباً للعبة شد الحبل، فتحولت خطاباته البليغة الواعدة بإصلاحات جذرية إلى تمائم فولكلورية تجعله مجرد خطيب بارع، يصل إلى حد الديماغوجية السياسية، لأنه لم يعد يملك من أمر صلاحياته الرئاسية ما يؤهله لترجمة تلك الأقوال «الهوائية» إلى أفعال ملموسة. وهكذا بدت مسيرة أوباما وكأنها مجرد طفح سطحي وجعجعة بلا طحين، فاللوبي الخفائي المتمترس في مجلس الشيوخ والكونغرس هو من يحدد البدايات والنهايات معاً.

سيخرج أوباما من سدة الرئاسة لتتأكد المعادلة التي تم ترسيم معالمها مع بدايات عهد كلينتون الزوج، وسيستمر ذات الحال إذا ما قُيِّض لكلينتون الزوجة أن تكون رئيسة للولايات المتحدة، ذلك أن ملفها السياسي معروف بالتفصيل، ومناطق ضعفها الشخصي مرصودة من قبل اللوبي المتعجرف العنيف، وهي الدبلوماسية الأمريكية التي طالما ترنَّحت بين المعنى النابع من الكلام، والفعل المقرون بالميدان.

يبقى القول أن المرشح اليميني «دونالد ترامب» أصبح اليوم يباشر دور المفوض العام في تقويض القيمة الأخلاقية والمعنوية للمؤسسة الرئاسية، والمكانة الافتراضية للمرشح الرئاسي، من خلال الإساءة المباشرة لذاته عبر أقواله المُتطيِّرة الخفيفة، وكذا عبر الإساءة الجارحة لمنافسته في الانتخابات الرئاسية كلينتون، وعلى مرأى ومسمع من القائمين على قواعد المعايير الأخلاقية للانتخابات الرئاسية.

يتجرأ الملياردير المفوض من قبل الخفائيين في المطالبة بإجراء فحص دم لهيلاري كلينتون، لأنها تتناول المنشطات قبل الحوار التلفزيوني مع خصمها في المعركة الانتخابية، ولا يتورع أيضاً من تذكيرها «بخيانة» زوجها في سياق يتعفف منه أكثر الناس رثاثة في السلوك والسيكولوجيا.

ترامب فيما يفعل ذلك إنما يسدد الضربات القاتلة لمعنى المرشح للرئاسة، فلم تعد هنالك أدنى حصانة أدبية وأخلاقية لأي موظف عام يتعرض للقذف والتسفيه والشتم، حتى ولو كان من وزن رئيس للولايات المتحدة.

هذا ما يجري اليوم في البيت الأمريكي، ومن المؤكد أن لهذه الحقائق استتباعاتها على الواقع، والرسالة الضمنية تتلخَّص في أن ينصاع كامل موظفي الدولة الأمريكية، والذاكرة الجمعية الرائية لمعنى البناء والتطور.. عليهم أن ينصاعوا جميعاً لإرادة اللوبي القابض على المُجمَّعات المالية والعسكرية والأمنية والإعلامية، وقبل هذا وذاك المنابع الاقتصادية لدولة الظل الكئيب، المُدوْزنة بقوة الدولار، والبنك المركزي، وبورصة المال.. والممتدة بقوة دفعها العارم صوب صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للتنمية، ومنظمة التجارة العالمية، والميديا العالمية المؤمْركة وفق مقاييس اليمين المتوحش والشركات العابرة لجغرافيا الحكمة والتاريخ.

About this publication