Putin-Trump Phobia

<--

تمر العلاقات الروسية الأمريكية في آخر أيام إدارة باراك أوباما بتوتر غير معهود، آخره ادعاءات مسؤولين أمريكيين بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضالع شخصياً في هجوم إلكتروني على حملة الحزب الديمقراطي ومرشحته للانتخابات هيلاري كلينتون، التي تلقت هزيمة ساحقة أمام المرشح الجمهوري والرئيس المقبل دونالد ترامب.

الثلاثون يوماً المتبقية لأوباما في البيت الأبيض، لن تشهد أي فعل حاسم في أي قضية من القضايا الداخلية أو الخارجية، بحكم الظرف الانتقالي، ولكنها ستشهد محاولات لتهشيم صورة ترامب وبوتين في أذهان جانب من الأمريكيين، واعتبارهما وجهين لفوبيا واحدة، وهو ما توحي به الاتهامات الديمقراطية للطرفين الساعية ضمناً إلى تسويق الرئيس الأمريكي المنتخب ظلاً للرئيس الروسي، وازدادت هذه الاتهامات حماوة بعد تعيين عملاق النفط، ريكس تيلرسون، الصديق الشخصي لبوتين، وزيراً للخارجية في الإدارة الجديدة، ليلتحق بشخصيات احتلت مناصب حيوية، أغلبها جنرالات، وكلها تكن وداً للروس، أو هي لا تريد أن تنهج خطاً عدائياً مع موسكو، مثلما هي حال الإدارات السابقة، لاعتبارات تتعلق بشروط فرضها فشل العولمة، وسياسة القطب الواحد التي قادتها الولايات المتحدة، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. وما يُجرى من تجاذب حاد وحرب إعلامية بين الإدارة الأمريكية المتخلية والإدارة المقبلة، يعبر عن انقسام غير مسبوق في نخبة واشنطن، كما يؤكد أن فوز ترامب عمّق الصدمة التي انصبت على الحزب الديمقراطي ومؤسسات الحكم التقليدية. كما يؤكد ازدراء الرئيس المنتخب تقريراً سرياً لوكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. إيه» عن التدخل الروسي في الانتخابات الأخيرة شرخاً كبيراً، قد يؤثر، لاحقاً، على هيبة هذه المؤسسة التي تجمع مخزوناً لا نهائياً من المعلومات، ويعول على تقاريرها كل الرؤساء الأمريكيين في رسم السياسة الخارجية لواشنطن.

لو صحت التقارير التي تقول إن روسيا اخترقت بنجاح الحسابات الإلكترونية للديمقراطيين، وغيّرت معطيات الاقتراع الرئاسي لصالح المرشح الجمهوري، فسيكون هذا الأمر فضيحة كبيرة للأجهزة الأمريكية المتباهية دوماً بأذرعها القوية وقدراتها التقنية الجبارة، أكثر مما هو نصر استخباري للروس الذين نفوا مراراً قيامهم بهذا الاختراق، ولكن كل شيء متوقع، بالنظر إلى الخلافات الحادة بين إدارة أوباما والرئاسة الروسية، على خلفية التوتر بين الطرفين بسبب الحرب السورية والأزمة الأوكرانية، فضلاً عن خلافات عديدة، غير معلنة، تتعلق باندفاع موسكو لاستعادة نفوذها المفقود في محاور استراتيجية عبر العالم، وهذه الاندفاعة لا يبدو أنها ستتوقف حتى إعادة التوازن الدولي، كما تعلن ذلك موسكو صراحة مدعومة من قوى دولية أخرى مثل الصين.

الحملة الحالية التي تتعرض لها روسيا وتصويرها بهذه القدرة الفائقة على اللعب داخل البيت الأمريكي، تحمل في طياتها رغبة لدى نخب أمريكية واسعة لقطع الطريق على أي تقارب أو تفاهم محتمل بين بوتين وترامب، وقد يكون هذا بتحريض كثير من حلفاء واشنطن، خصوصاً من الأوروبيين، المتخوفين بشدة من أي تفاهم أمريكي روسي مقبل على حساب مصالحهم الدولية.

ومن غير المستبعد أن تؤتي هذه الحملة نتائجها بضبط أي تقارب بين موسكو وواشنطن. وقبل أن يتسلم ترامب منصبه، لا شيء واضحاً بخصوص طبيعة سياساته الخارجية، فقد ينقلب على كل تعهداته السابقة، ويقوم بجنرالاته وباروناته الذين شكّل بهم إدارة البيت الأبيض الجديدة، بنسف كل التكهنات المسبقة التي تعبت كثيراً في تعقب وجهة الولايات المتحدة ودورها في عهد الرئيس الجديد.

About this publication