The Truth about US Support for the Syrian Opposition

<--

حقيقة الدعم الأميركي للمعارضة السورية

لم يكن توقيف الولايات المتحدةالأميركية برنامج المساعداتالخاص بفصائل المعارضة السوريةالمعتدلة أمراً مفاجئاً، إذ سبق أنأعلن الرئيس الأميركي دونالدترمب عزمه على توقيفه خلال حملته الانتخابية.

لكن توقيته يحمل دلالات وإشارات عديدة، لكونه جاء في وقت يشهد تفاهمات روسية أميركية في بعض مناطق سوريا. وخاصة بعد اللقاءالثنائي ما بين ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هامبورغ بألمانيا، وإعلان توصلهما إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية.

والأهم هو أن وقف الدعم الأميركي للمعارضة السورية كان مطلباً روسياً ملحاً، رغم أن كل برامج الدعم الأميركي للمعارضة كانتمحدودةً جداً، وضعيفة بالمقارنة مع الدعم اللا محدود الذي تلقاه النظام السوري -ولا يزال- من نظام الملالي بإيران والنظام الروسي، ولمتشكل دعماً حقيقياً للمعارضة، كما أنها لم تؤثر كثيراً في ميزان القوى على الأرض خلال السنوات الماضية.

مهزلة برامج التدريب

لقد سبق أن ألغت الولايات المتحدة الأميركية برنامجاً لتدريب عناصر من المعارضة السورية بهدف مقاتلة عناصر تنظيم الدولةالإسلامية(داعش)، وليس لقتال قوات النظام ومليشيات نظام الملالي الإيراني، وكان برنامجاً كارثياً.

حيث قيل إن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنفقت خلال بضعةأشهر من عام 2015 أكثرَ من 384 مليون دولار على تدريب وتسليح180 عنصراً من المعارضة السورية، الأمر الذي شكّل مهزلة وأثارسخرية المراقبين، إذ إن كل عنصر منهم أنفق عليه ما يزيد علىمليونيْ دولار، وهذا ما لا يتقبله عقل ولا يصدقه عاقل.

وكي تكتمل فصول المهزلة، دُفع بهؤلاء العناصر إلى داخل الأراضيالسورية -دون أي حماية أو إسناد أميركي- فقُتل بعضهم وهربالباقون، بينما نفس البرنامج الذي يُشرف عليه البنتاغون ويقدمالدعم لمليشيات “وحدات حماية الشعب الكردية”، أثبت فعالية كبيرة.

وذلك بسبب الدعم الأميركي الكبير في الأسلحة والعتاد، وتوفير كل أشكال الحماية والإسناد لعناصر هذه المليشيات التابعة لحزب الاتحادالديمقراطي الكردي (PYD)، الذي يعتبر الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK) في سوريا.

وهي مليشيات لا تقاتل قوات نظام بشار الأسد ولا مليشيات نظام الملالي الإيراني، بل تقاتل عناصر الجيش السوري الحر -التي كان بعضهايتلقى مساعدات أميركية محدودة- إضافة إلى مقاتلة عناصر تنظيم “داعش”، الأمر الذي يكشف حقيقة الدعم الأميركي والمستهدفين به.

ولن يُحدث قرارُ إدارة ترمب إلغاءَ برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لدعم المعارضة السورية أي تغيير في ميزان القوى المختل علىالأرض، إذ حتى مؤيدو البرنامج كانوا قد اعترفوا مراراً -في أوقات سابقة- بفشله الكامل، وخاصة بعد تدخل الروس العسكري المباشر فيسوريا، وخوضهم حرباً إلى جانب مليشيات نظام الملالي الإيراني دفاعاً عن نظام الأسد.

وكان هذا البرنامج المخصص لتدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة، قد انطلق في عام 2013 بموافقة الرئيس الأميركي السابق باراكأوباما، وأيدته بعض دول “أصدقاء سوريا”، رداً على جرائم بشار الأسد ونظامه، وشمل تقديم مساعدات عسكرية ولوجستية -بإشراف وكالةالاستخبارات الأمريكية- لفصائل الجيش الحر في شمال سوريا وجنوبها.

حقيقة الموقف الأميركي

يأتي قرار إلغاء دعم المعارضة السورية المعتدلة ليجسّد الموقف الأميركي الحقيقي من القضية السورية، والذي لم يكن في يوم من الأياميهدف إلى إسقاط نظام الأسد، ولكي يقدم للروس بادرة حسن نية من الإدارة الأميركية الراغبة في تحسين علاقاتها معهم.

وهو يشير -في المقابل- إلى زيادة الضغط على المعارضة السورية كي تقبل بما سيقدمه الروس بالتوافق مع الأميركيين، خاصة فيما يخصمناطق خفض التصعيد، لكنه يرسل إشارة خطيرة للسوريين في ظل غياب ممكنات الحل السياسي.

وذلك بعد أن عملت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على إطالة أمد الحرب في سوريا، وكانت تضع مختلف الحجج والعراقيلللتنصل من المسؤولية الدولية والأخلاقية عما يقترفه نظام الأسد وحلفائه الإيرانيون والروس من جرائم حرببشعة بحق غالبية السوريين.

بل إن سياسة الإدارة الأميركية أفضت إلى المحافظة على نظامالأسد، مع التغاضي عن جرائمه التي وصفتها جميع المنظماتالحقوقية بأنها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، بدءا مناستخدام الكيميائي، إلى القصف بالبراميل المتفجرة العشوائية، إلىحصار التجويع والتركيع، إلى التعذيب حتى الموت.

وليس مستغرباً أن تجسد إدارة الرئيس ترمب موقفها من نظامالأسد، لأنها لا تملك إستراتيجية واضحة بشأن القضية السورية، وأولويتها هي محاربة تنظيم “داعش”. وبالتالي فإن وقف برنامج المساعداتالأميركية للمعارضة يشكل تراجعاً عما رآه بعضهم تغيراً في موقف واشنطن حين أطلقت صواريخ أميركية على مطار الشعيرات، رداً على قيامالنظام السوري بهجوم بالأسلحة الكيميائية على بلدة خان شيخون.

ورغم أن تصريحات مسؤولي الإدارة السابقة اتسمت بالتنديد والشجب لممارسات النظام في بداية الثورة السورية، مع تأييد مطالب غالبيةالسوريين في الحرية والديمقراطية؛ فإنها لم تجد تجسيداً لها على أرض الواقع.

بل راح بعض المسؤولين الأميركيين يبيع الأوهام للمعارضة السياسية السورية، في حين أن إدارة بلادهم قامت بابتزاز المقاتلين في “الفصائلالمعتدلة”، من خلال تقليص الدعم المحدود والتمويل المتحكم فيه، ومنع وصول السلاح النوعي إلى أيديهم.

وهو الأمر الذي أسهم -بالإضافة إلى جرائم النظام السوري الممنهجة- في استفحال ظاهرة التطرف، وتنامي قوة تنظيم الدولة الإسلامية”داعش” وجبهة النصرة وأخواتها، على حساب تدهور وضع تشكيلات الجيش الحر.

الرهان الخاسر

تتعامل إدارة الرئيس ترمب مع الوجود العسكري الروسي كأمر واقع، وراحت تنسق مع إدارة بوتين، ظناً منها أن الوجود الروسي يمكنهأن يقلص وجود نظام الملالي الإيراني، وهذا يتسق مع تغاضي الإدارة الأميركية السابقة عن التدخل العسكري الروسي الذي راحت بدورهاتنسق معه.

وقبل ذلك سكتت واشنطن عن التدخل السافر لنظام ملالي إيران في سوريا، عبر خوضه معركة الدفاع عن بقاء نظام الأسد، فأرسل آلافالمقاتلين والمستشارين، والآلاف من مليشيا حزب الله اللبناني والمليشيات الطائفية العراقية، وقام بتشكيل ألوية وفرق مليشياوية داخل سورياوألوية من المرتزقة، دون أن تحرك الولايات المتحدة ساكناً.

وقد أسهم تعامل ساسة الولايات المتحدة مع القضية السورية فيتحويلها من ثورة تنشد الحرية والكرامة ضد الاستبداد إلى حربضد مجموعات إرهابية، وصراع نفوذ إقليمي ودولي، قسمّ المنطقةإلى معسكرين متضادين ومتحاربين على الأرض السورية.

وأدى ذلك إلى ترك النظام السوري يفعل ما يريده من قتل وتشريدأغلبية السوريين، مع تكرار المسؤولين الأميركيين طمأنة النظامبتأكيدهم عدم وجود نية لدى بلدانهم في التدخل العسكري، وأن الحل الوحيد هو الحل السياسي، بمعنى يفهم منه النظامُ أنه مهما قامبانتهاكات وجرائم فلن تكون هناك قوة تردعه، لذلك مرت جرائمه دون أي عقاب يذكر.

بعد فشل الضغوط السياسية الداخلية والدولية على النظام الأسدي؛ اندلع القتال في مواجهة الحرب الشاملة التي أعلنها هذا النظام علىالمجتمع بأكمله، لكن الخطير في الأمر هو التسليم بأن الحل في سوريا بات رهين التفاهمات والتعاون بين روسيا وأميركا.

في حين أن الواقع كشف حقيقة النوايا الروسية والأميركية، واستهتار الروس والأميركان بالدم السوري وبمصير سوريا، من خلال تركيزهماعلى الحرب ضد إرهاب يخشون انتقاله إليهما، بالتوازي مع توافق بينهما على تقاسم المصالح والنفوذ في سوريا، ضماناً لأهدافهماالإستراتيجية.

وقد قاد ذلك إلى شعور بالخيبة والإحباط لدى المعارضة السورية -بشقيها السياسي والعسكري- فراحت تنتقد التخاذل الدولي، وتكتفيبالشكوى من استبعادها من الاتفاقات والتفاهمات حول مصير سوريا.

ووقعت في فخ الرهان على القوى الخارجية التي لا تقيم على الدوام وزناً إلا لمصالحها، وتضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية والقيموالمبادئ -التي وضعتها بنفسها- مقابل الحفاظ على مصالحا القومية

About this publication