Foreign Intervention … Recipe for Suicide!

<--

التدخل الخارجي.. وصفة الانتحار..!

كان عنوان التدخلات العسكرية الأخيرة في بعض البلدان العربية –غالباً بقيادة أميركية- هو “تغيير النظام”. والتفسير أن قلوب بعض زعماء العالم من أنبياء القيم الديمقراطية والإنسانية تتقطع لحال الشعوب العربية المقموعة، فيأتون لتخليصها من حكامها المستبدين وإهدائها الحرية. والغريب أن بعض العرب العاديين ما يزالون يشترون هذه الفكرة ويروجون للمتدخلين، برغم النتائج الدموية المحسوسة لهذه السياسات.

بعد الفرصة التي أتاحتها أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 للتدخلات الأولى في أفغانستان والعراق، جاء “الربيع العربي” ليقدِّم فرصة ثانية عن غير قصد. وفي الحالتين، نسيَ المتحمسون للتدخلات أن الولايات المتحدة صنعت “القاعدة” التي استخدمت ذريعة لإسقاط صدام حسين بحجة دعمه لها؛ وأنها دعمت صدام نفسه في حربه مع إيران وسكتت عن استخدامه الأسلحة الكيميائية ولم تتهمه بالدكتاتورية.

أثناء بواكير “الربيع العربي”، لم تدعم الولايات المتحدة والغرب الشعوب العربية الثائرة بشيء ملموس، وانتظروا انقشاع الغبار لاختيار الأطراف. لكنَّ الذي لا يتعلم من التاريخ أعمى. والتاريخ يقول إن هذه القوى التي استعمرت المنطقة ونهبتها، وناصرت عدوها الأساسي، الكيان الصهيوني، ودعمت الأنظمة الدكتاتورية غير المخلصة لشعوبها، لا يمكن أن تشترك في مشروع يمكن أن ينهض بإنسان المنطقة ويطلق طاقاتها ويحرر عقلها. لكن البعض منا يحبون أن يُلدَغوا من الجحر نفسه مرات لا تنتهي كما يبدو.

لا يمكن الدفاع عن أي نظام يحكم الناس بالخوف، والذي يكون حاصل جمع سياساته التخلف الاقتصادي والاجتماعي وكتم الأصوات ومصادرة الحريات. لكنَّ أيَّ تغيير يجب أن يكون مشروطاً بجاهزية بديل حيوي بمشروع واقعي تنويري، ومتصل بالناس. أما تدخل قوى معروفة بازدرائها للمنطقة وأهلها وعاكفة على نهبها، فلا يمكن أن يكون بديلاً صالحاً. وحتى لو تدخلت هذه القوى لتنصيب بديل محلي، فإنه سيكون مُباعاً سَلفاً ومرهون الإرادة للذين حملوه إلى السلطة. لكن نقل السلطة بسهولة، حتى لهذه الغاية، ليس مرغوباً.

الذي حدث في ليبيا والعراق وسورية وأفغانستان بعد التدخلات لا يخرج عن الحصيلة المعروفة: تدمير البلدان ومنجزاتها وتاريخها؛ وموت مواطنيها وتشريدهم؛ وخلق فراغ سلطة تشغله مختلف الميليشيات وأمراء الحرب وأصحاب المصالح الأنانية؛ وتوفير مساحة نادرة للمجموعات الإرهابية المتطرفة؛ وتوتير محيط الدول التي تعرضت للتدخلات المباشرة والضغط على اقتصاداتها وتوتير مناخاتها. ولو حاولنا العثور على شيء مشرق واحد في نتائج هذه التدخلات، فيغلب أن لا نجده. وحتى “تغيير النظام” الذي يبدو عنواناً مغوياً للوهلة الأولى، يطرح سؤالاً متصلاً به عضوياً: تغيير النظام لجلب مَن وماذا؟ وأيّ أنظمة هي التي تحقق متطلب التغيير؟

لم يكن ما حدث في السنوات منذ 2011 سوى اختطاف واضح لانتفاضات الشعوب العربية لغاية ترويج فوضى ليس لها صلة بالخلق ولها كل الصلة بالإعدام. وربما نلاحظ أن الدول التي قُمعت انتفاضاتها محلياً أو بتدخلات محدودة لصالح تثبيت النظام، دفعت ضريبة أقل من الدم والدار، ولو أنها عادت للاستقرار على نفس القيح القديم. 

ترافقت سياسة “تغيير النظام” الغربية في الدول العربية دائماً بالانتقائية الموجبة للشك الفوري في النوايا. ويمكن الحُكم مباشرة من نوعية المتدخلين الغربيين والإقليميين الذين لا صلة لهم بأي قيم إيجابية، والذين عرضوا أسوأ أنواع البدائل لحكم الشعوب التي زعموا إنقاذها. وفي بلد مثل سورية، بعد ست سنوات من الدمار الهائل والتشريد واللجوء وتخريب البلد العريق، خلص المتدخلون إلى استنتاج أن البدائل كلها ليست صالحة لتحل محل النظام!

ربما كان هؤلاء يعرفون هذا الاحتمال من البداية. وربما لم تتعلق الفكرة بشخص أو حفنة أشخاص يأتون ويذهبون. إنها تتعلق –كما تظهر النتائج على الأرض، بتدمير حضارة المنطقة والبلدان العربية وتعطيل تقدم شعوبها. وإذا كانت الصعوبات قبل “الربيع العربي” تتعلق بأنظمة دكتاتورية تكتم أنفاس الناس، فقد حولت التدخلات ذلك إلى الموت المباشر وتقويض المنجزات التاريخية وإعادة البلدان وأهلها إلى العصور الحجرية. ولم يعد الناس يتلقون الضربة من جهة معروفة، وإنما أصبحت الضربات تأتيهم من جهات بلا عدد، ومنها مواطنوهم المشتبكون في الحروب الأهلية، بالإضافة إلى الغرباء الوحشيين.

التغيير يجب أن يحدث من الداخل؛ بتطوير البديل بعمل مواطنين يعشقون أوطانهم. أما الإيمان بأنبياء الحرية الخارجيين من النوعية المعروضة، فليس أقل من انتحار.

About this publication