Old Habits Die Hard

<--

دعُونا نراجع ردود الفعل العربية منذ أن نفّذ دونالد ترامب وعده المشؤوم وأصدر قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة لاحقاً إليها!

دعَونا إلى عقد اجتماعات ورفعنا الصوت عالياً ضد القرار، ونجحنا – مؤقتاً- ولو نسبياً باجتراح رأي عام دولي ضد هذا القرار، والحصول على موقف أممي مؤيد لعدالة قضية القدس، وتمّ توظيف مؤتمر اسطنبول في هذا السياق، وذلك ضمن منطق – الحدّ الأدنى- وأضعف الإيمان والانكشاف الاستراتيجي العربي هو أمر جيّد.

لكن ماذا حدث بعد ذلك؟!

عادت حليمة لعادتها القديمة، وبدأ منطق الكواليس والدهاليز يتغلّب على الاعتبارات الاستراتيجية والسياسية والرمزية العربية والفلسطينية.

عربياً، ما كنّا نتحدث عنه من “اختلاف الأولويات” بالنسبة للعرب تجاه موضوع القدس، وأولوية القضية الفلسطينية، لم يعد أمراً سريّاً، أصبح أقرب إلى “الفضيحة” السياسية والإعلامية العربية، وبات واضحاً، وشبه معلن، أنّ المواقف العربية ليست فقط متفاوتة، بل متضاربة، وأنّ ما يقال في العلن، لا علاقة له – من قريب أو بعيد- بما يقال في جلسات مغلقة.

للأسف، هذا ما كان يردده مسؤولون أميركيون على مسامع المسؤولين والسياسيين الأردنيين، بأنّ ما تتحدثون عنه من أهمية القدس والقضية ليس إلاّ حبراً على ورق، وما نسمعه من العرب  –في جلسات مغلقة- مغاير تماماً، بل مناقض، فهم يفكّرون إمّا فقط بإيران، أو مصالحهم القطرية ومعادلاتهم الداخلية فقط!

هنالك مماطلة وتراخٍ عربي، وتسويف في تصميم مواقف مستمرة دائمة، أي مأسستها، تجاه القرار الأميركي، والحال أنّه – أي القرار- بات الحقيقة الوحيدة ناصعة البياض، ومع مضي قليل من الوقت، سيعتاد العرب على الواقع الجديد، وستسلّم به دول أخرى، إذا لم يكن هنالك مأسسة لرفض القرار، ولن تكون ضمن المؤشرات الحالية الواقعية.

المشكلة أنّ المواقف العربية المفبركة لم تعد تنطلي على أطفال العرب الصغار، وأصبحت المجتمعات في الوقت الراهن متقدّمة كثيراً على تلك الألعاب السخيفة والحيل القديمة، ما يعني نتيجة مزدوجة لقرار ترامب، وهذا بيت القصيد، مرّة أخرى، وتتمثل في أنّها مسمار آخر في شرعية النظام العربي الرسمي المتهتكة أصلاً. وطالما أنّ هنالك إغلاقا للأفق السياسي السلمي للتغيير، فإنّ البديل هو توليد موجة أخرى من الراديكالية لدى جيل من الشباب العربي، ممن فقد إيمانه بالتغيير السلمي والإصلاحي، وفي إمكانية إصلاح حال الأنظمة والدول العربية.

ذلك يفسّر – ضمن عوامل أخرى بالطبع- محدودية الحراك الشعبي السلمي العربي ضد القرار الأميركي، لأنّ هنالك شريحة واسعة في الشارع العربي، فقدت الأمل بهذه الطريقة، وترى أنّها ملهاة وغير مجدية، ما ينعكس لصالح الحركات الراديكالية والمتشددة.

أمّا فلسطينياً، فعادة حليمة القديمة أكثر بشاعة ونتائجها أسوأ، فمن تابع ما نُشر عن اجتماعات المجلس المركزي واللجنة التنفيذية، سيكتشف أنّ السلطة والأشقاء لم يتجاوزوا المربع الأول من التفكير السطحي غير المجدي، ومن الخلافات والكولسات السياسية والتنظيمية.

حماس والجهاد لم يشاركا، والخلافات في اللجنة التنفيذية انفجرت بين محمود عباس وبعض الأعضاء، والبيانات مكرورة، وتتضمن مفارقة مكشوفة تماماً بين لغة تصعيدية ودونكيشوتية ضد أميركا وإسرائيل، وواقع مغاير تماماً لذلك، يقوم على أساس التنسيق الأمني الصارم، والاتكاء بالشرعية السياسية على العامل الأميركي- الإسرائيلي حصرياً، فكيف يمكن أن يُفهم هذا الخطاب الذي يتحدث عن التخلي عن الرعاية الأميركية للسلام، وشتم الإدارة الأميركية ورفض التعامل معها بينما الواقع نقيض ذلك تماماً؟!

About this publication