American Individuality and Global Economic Sanctions Policy

<--

التفرّد الأمريكي وسياسة العقوبات الإقتصادية الكونية!

بقلم: الدكتور ناجي صادق شراب

أستاذ علوم سياسية-غزة

ما زالت الولايات المتحدة ترى في دورها على أنها الدولة العظمى الوحيدة، والمتحكمة والمؤثرة في القرار الدولي، رغم محاولات روسيا بوتين إسترجاع دور الإتحاد السوفيتي والعودة بالنظام الدولي لنظام القطبية الثنائية، لكن ما زالت روسيا بعيدة عن هذا الدور. فبعد قمة هلسنكي خرجت الولايات المتحدة تمارس دورها الأحادي المتفرد في التعامل مع العديد من القضايا والأزمات الدولية، وإتخاذ القرارات الفردية في حروبها التجارية مع العديد من الدول بصرف النظر عن قربها من الولايات المتحدة، وبتطبيق الشعار الذي رفعه وما زال الرئيس الأمريكي ترامب «أمريكا أولا»، وهو الذي يعني أن المصالح الأمريكية لها الأولوية على غيرها من أولويات الدول، وتترجم هذه الرغبة في التفرد ودور الدولة العظمى في العديد من القرارات الإقتصادية وممارسة سياسة العقوبات الإقتصادية على الدول التي تتعارض سياساتها مع سياسات الولايات المتحدة. وكبديل لخيار الحرب الذي تنأى إدارة الرئيس ترامب نفسها عن الإنزلاق فيها لتداعياتها الخطيره على ميكانيزمات السياسة الداخلية الأمريكية وإمكانية الفوز بالإنتخابات الرئاسية ثانية ، تلجأ للخيار الإقتصادي بإعتباره أحد أهم أشكال القوة الصلبة التي تملكها الولايات المتحدة ومدعومة بقوتها العسكرية التي ما زالت تشكل القوة الأحادية الأولى في العالم.

ولذلك يمكن القول أن العقوبات الإقتصادية إمتداد للسياسة، بمعنى ان الهدف منها تغيير السلوك والسياسات والقرارات السياسية للدول المستهدفة، والولايات المتحدة بلا شك تملك عناصر القوة الصلبة التي تسمح لها بممارسة هذه السياسة الخشنة. هذا وتتعرض الدول لأشكال متعددة من العقوبات تتراوح ما بين المقاطعة الإقتصادية الكاملة والجزئية وفرض رسوم على المنتوجات والسلع المستوردة وفرض الضرائب المرتفعة، والشكلين الأخيرين هما من تمارسهما الولايات المتحدة مع العديد من الدول المتنافسة.

والملفت للنظر في سياسة العقوبات الإقتصادية أن إدارة الرئيس ترامب لم تميز بين الدول الحليفة والشريكة كالدول الأوروبية، وتركيا، والدول المتنافسة كروسيا والدول الخصم كإيران، تمارس نفس السياسة وبدرجات متفاوتة. وأمتدت هذه السياسة حتى على المنظمات الدولية ووكالاتها مثل وكالة غوث اللاجئين الأونروا.

والهدف واضح هو ممارسة الضغط للإستجابة للمصالح الأمريكية، وعلى الرغم من أن ميثاق الأمم المتحدة في المادة41 منه ينص على فرض العقوبات الإقتصادية من قبل مجلس الأمن على الدول التي تشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين إلا أن الولايات المتحدة تمارس هذه السياسة منفردة، وبعيدا عن الإجماع الدولي، وهو ما دفع مسشارة ألمانيا أنجيلا ميركل إلى إتهام إدارة الرئيس ترامب بإنتهاك النظام الدولي. هذا وانها تمارس هذه السياسة بعيدا عن الشرعية الدولية. وبدوافع تتعلق بشخص الرئيس ترامب الذي يريد ان يقول لناخبيه أنه صادق فيما وعد وقادر، وبما يتوافق وثوابت المصالح السياسة الأميركية التي لا يمكن له أن يخرج عنها. وهذا ما نلمسه في العقوبات التي فرضت على الصين بحجة السطو الصيني على المنتوجات الأميركية وحماية للملكية الفكرية الأميركية وتحسين وضع العجز التجاري بين البلدين الذي بلغ 800 مليار دولار.

وقبل ذلك فرضت عقوبات على الصين بعد أحداث ميدان تيانامين عام 1989 ، وتراجعت عنها عام 1993 وتعتبر الصين منافسا قويا للولايات المتحدة، والتي تحاول ان تنتزع دورا قياديا عالميا. وبالنسبة لروسيا وهي الدولة المنافسة وعلى الرغم من قمة هسنكي بين البلدين إلا إن الولايات المتحده تفرض وتمارس العقوبات الإقتصادية في إعقاب ضم روسيا لجزيرة شبه القرم 2014، والإتهامات المتبادلة بالتدخل الروسي في الإنتخابات الأمريكية ومن ناحية إظهار القوة الأمريكية الأحادية في التعامل مع روسيا، وكوسيلة ضغط للرضوخ للمطالب الأمريكية في عدد من الأزمات الإقليمية والدولية كسوريا.

وبالنسبة لإيران تمارس الولايات المتحده سياسة العقوبات الإقتصادية بهدف كبح جماح السلوك الإيراني، وتقليص الدور الإيراني، بدءا بالإنسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات جديدة على منتوجات الصلب والألمنيوم والتعامل بالدولار والتهديد بفرض عقوبات أقسى على الصادرات النفطية والأفراد. والهدف دفع إيران للقبول بالتفاوض ومحاولة خلق قوى معارضة قوية في الداخل لتغيير النظام.

اما الدولة الحليفة تركيا فهذه ليست المرة الأولى التي تمارس عليها عقوبات إقتصادية امريكية فكانت المره الأولى في أعقاب الأزمة القبرصية، اما العقوبات التي فرضت أخيرا فالهدف الواضح هو قضية القس أندرسون، وعين الرئيس الأمريكي على الانتخابات النصفية للكونغرس ومخاطبة مشاعر وعواطف الإنجيليين الذين أعطوه صوتهم في انتخابات الرئاسة بنسبة 80 في المائة. وإتهام تركيا للولايات المتحدة بالوقوف وراء الإنقلاب على الرئيس التركي أردوغان والمطالبة بتسليم المعارض التركي فتح الله غولن.

وحتى السلطة الفلسطينية الضعيفة في مواردها ولا تملك مواردها الذاتية بسبب الاحتلال الإسرائيلي لم تنجو من هذه العقوبات في تقليص وتجميد المساعدات المقدمة والهدف سياسي للضغط وقبول ما يعرض عليها من تسوية عبر ما يعرف اليوم بصفقة القرن.

هذه السياسة وإن كان لها تأثيراتها على الدول المستهدفة وخصوصا في المدى البعيد لكن يمكن مواجهتها بالمعاملة بالمثل بفرض رسوم على المنتوجات الأمريكية كما رأينا للصين وتركيا أخيرا التي فرضت نسبة 140 في المائة على المنتوجات الأمريكية، او بتشكيل تحالفات إقتصادية جديدة كما تسعى له إيران مع الصين والهند وروسيا، وإستراتيجية فك الإرتباط بالدولار وعدم التعامل معه.

ويبقى أن هذه السياسة التي تمارسها الولايات المتحدة خطورتها أنها تأتي من الدولة الأحادية إقتصاديا وعسكريا في العالم، ولا شك ستدشن لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية، وبداية ظهور الإزدواجية القطبية السياسية مع روسيا والإقتصادية مع الصين وخطورتها أنها قد تؤدي لمزيد من التوتر السياسي وتفتح الباب للخيار العسكري الذي يمكن أن يعرض السلام والأمن العالميين للخطر ويضع الجميع امام بدايات حرب كونية أو بداية مرحلة ترامب ضد العالم.

About this publication