Will America Give Up on the Middle East?

<--

دار نقاش بيني وبين خبير بريطاني حول انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الاوسط. ويبني الخبير المعروف استنتاجه على معلومات يبدو انها تتوفر له، وليس لي. لكن الأهم هو المنطق الذي يستند إليه.

أول نقطة في هذا المنطق أن اهتمام اميركا يقوم أساسا على النفط. وحيث أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتجة للنفط، فقد بات الاستغناء عن النفط العربي والإيراني أمرا متاحا.

والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة رفعت الحظر عن تصدير النفط إلى دول أخرى، وستصبح قريبا أكبر مصدّر للنفط، وأكبر من السعودية، ما يعني أنها ستتحول من حالة العجز التجاري والذي وصل الآن صفرا تقريبا بعدما كان أكثر من (500) مليار دولار في مطلع هذا القرن، وبذلك ستتمكن من سداد ديونها الخارجية، وستنحصر مديونيتها في الدين العام الداخلي، والذي سوف ينحسر كذلك.

ويمضي الخبير قائلا، وبفضل التكنولوجيا الاميركية المتفوقة، فقد أصبح بمقدور أميركا أن تبيع النفط بسعر (30) دولارا للبرميل الواحد في السوق العالمية. وقد مضى الزمان الذي كانت فيه كلفة استخراج النفط من الصخور والرمال الزيتية تفوق السبعين دولارا للبرميل الواحد.

أما السعودية، فإن كلفة استخراج النفط لديها تقل عن (30) دولارا، ولكن السعودية المعتمدة على الدخل من النفط سوف تعاني من عجز كبير في موازنتها إن هي باعت البرميل بأقل من 60-70 دولارا.

من ناحية أخرى، فإن اميركا لديها ما يقلقها من نواحٍ أخرى، فهنالك الصين التي يرى أن حربها أساسا مع الولايات المتحدة هي حرب تكنولوجية في مجالات الالكترونيات والفضاء والطاقة المتجددة والاتصالات والمعلومات، وغيرها. وما الحرب التجارية وحرب العملات إلا مظهر من ذلك.

ويقدر الخبير أن خسارة الولايات المتحدة مما أسماه بالقرصنة الصينية من التكنولوجيا الأميركية تتجاوز (600) مليار دولار سنويا. ولذلك قامت الولايات المتحدة بمنع تصدير رقائق الحواسيب وغيرها إلى الصين التي تفككها وتعيد تقليدها.

وبالطبع هنالك اهتمامات اميركية بما يجري في جوارها وفي روسيا.

ولذلك، فإن الولايات المتحدة سوف تنسحب من المنطقة المشرذمة في الشرق الأوسط، وسوف تقلص إمكاناتها ووجودها العسكري فيها، ومنطق هذا الخبير يبدو قويا جدا في ظاهره وباطنه، ولكنه لا يقدم كامل الحقائق.

أولا أن الدين العام الاميركي وصل إلى (22) تريليون دولار في نهاية العام 2018. وهو يساوي حسب بعض المصادر 78% من الناتج المحلي الاجمالي.

وهو أمر لا يتطابق مع الأرقام. فالناتج المحلي الإجمالي الأميركي لم يزد عن (21) تريليون في نهاية العام 2018 مما يجعل الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 100 %، ومن المتوقع أن يرتفع حتى العام 2029.

ويقول خبراء آخرون في معرض تعليقهم على آخر نقاش دار بين مرشحي الرئاسة الأميركية من الحزب الديمقراطي أن اميركا تقترض مليون دولار كل ثانية واحدة. وإذا صحت هذه الأخبار، فإن ما قاله الخبير البريطاني عن قرب تخلص أميركا من دينها ليس دقيقا.

ثانيا إن الميزان التجاري الأميركي قد تمكن من تقليص عجزه التجاري الشهري عامي (2018) و (2019)، ولكن هذا العجز ما يزال حوالي (50) مليار دولار شهريا. وصحيح أنه يتقلص مع الصين، ومرشح للنقص في المستقبل، ولكن لن يصل الصفر، خاصة إذا اتفقت الصين وأميركا ولو بعد حين.

والأمر المهم، ان نقص تجارة الولايات المتحدة مع الصين سوف يقلل من صادرات الولايات المتحدة. ومن أرباح الشركات الأميركية مع الصين، فهذه الشركات تعيد تصدير بضائعها من الولايات المتحدة إلى العالم بأرباح عالية جدا خاصة في قطاعات الملابس والرياضة والأثاث والمنتجات الجلدية ومواد البناء وغيرها.

وأما الاستغناء عن الشرق الأوسط فإن المرء يرجو لو كان ذلك صحيحا. فهنالك اسرائيل ومستقبلها. وقد يفسر ذلك حث أميركا للدول العربية على التفاهم مع إسرائيل والقبول بشروط أميركا لضمان أمن إسرائيل وتفوقها العسكري.

وكذلك، فإن ترك الوطن العربي سيمنح الصين فرصة تاريخية للتفاعل مع غرب آسيا عن طريق مشروع الحزام الواحد والطريق الواحد، وعن طريق زيادة طلبها للنفط العربي في المنطقة.

خاصة إذا تغير نموذج العرض والطلب على النفط بحيث لم تعد الأسعار تقرر على المستوى العالمي بل على المستوى المناطقي.

نحن أمام سؤال اقتصادي سياسي كبير. ولا بد من أن تنشط مراكز الدراسات الاستراتيجية في بحث هذه الامور.

* د. جواد العناني خبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق.

About this publication