That Is America

 

 

 

 

<--

قبل‭ ‬ثماني‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭ ‬،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬ظهرية‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أيلول‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬الميلادية‭ ‬ألفان‭ ‬وواحد‭ ‬،‭ ‬قامت‭ ‬مجموعة‭ ‬عربية‭ ‬ينتمي‭ ‬معظم‭ ‬أفرادها‭ ‬،‭ ‬الى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬،‭ ‬واثنان‭ ‬اماراتيان‭ ‬ومصري‭ ‬ولبناني‭ ‬،‭ ‬بهجمات‭ ‬دموية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬الأمريكي‭ ‬،‭ ‬وعلى‭ ‬مواقع‭ ‬سيادية‭ ‬تتصل‭ ‬بالمال‭ ‬والعسكر‭ ‬والخارجية‭ ‬،‭ ‬فأسقطت‭ ‬بنايات‭ ‬عملاقة‭ ‬،‭ ‬وقتل‭ ‬في‭ ‬الموقعة‭ ‬عشرات‭ ‬مئات‭ ‬الموظفين‭ ‬والمدنيين‭ ‬الأبرياء‭ ‬،‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬لهم‭ ‬بما‭ ‬تصنعه‭ ‬بلادهم‭ ‬من‭ ‬شر‭ ‬وموت‭ ‬ونهب‭ ‬وحلب‭ ‬وغطرسة‭ ‬وغزو‭ . ‬

لم‭ ‬يمض‭ ‬زمنٌ‭ ‬طويل‭ ‬حتى‭ ‬اعترف‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬وشقيقه‭ ‬طالبان‭ ‬وما‭ ‬حولهما‭ ‬،‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬الكاملة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الكارثة‭ ‬،‭ ‬وصار‭ ‬المشهد‭ ‬واضحاً‭ ‬جداً‭ ‬لدى‭ ‬الأمريكان‭ ‬والعالم‭ ‬كله‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اعترف‭ ‬المجرم‭ ‬بفعلته‭ ‬علنا‭ ‬وبالصورة‭ ‬والصوت‭ .‬

ثم‭ ‬جاء‭ ‬الرد‭ ‬السريع‭ ‬بهجوم‭ ‬أمريكي‭ ‬كاسح‭ ‬على‭ ‬أفغانستان‭ ‬مركز‭ ‬وقلب‭ ‬المخطط‭ ‬،‭ ‬وسقطت‭ ‬القاعدة‭ ‬وطالبان‭ ‬،‭ ‬وبدأت‭ ‬أمريكا‭ ‬تغوص‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬بالمغطس‭ ‬الأفغاني‭ ‬الموحل‭ ‬،‭ ‬وكانت‭ ‬أمامها‭ ‬صور‭ ‬الهزيمة‭ ‬السوفيتية‭ ‬المجلجلة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬الفخ‭ .‬

لم‭ ‬يشفِ‭ ‬هذا‭ ‬الغزو‭ ‬السهل‭ ‬ببدايته‭ ‬غليل‭ ‬وغل‭ ‬أبناء‭ ‬العم‭ ‬سام‭ ‬،‭ ‬الذين‭ ‬جرحتهم‭ ‬القاعدة‭ ‬وطالبان‭ ‬بكبريائهم‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬منظر‭ ‬الطائرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحديثة‭ ‬والصواريخ‭ ‬المتطورة‭ ‬،‭ ‬منظراً‭ ‬بائساً‭ ‬يخلو‭ ‬تماماً‭ ‬من‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬عرفت‭ ‬به‭ ‬الشخصية‭ ‬الأمريكية‭ ‬،‭ ‬وأفلام‭ ‬مخابراتها‭ ‬المنفوخة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬بطولات‭ ‬هوليودية‭ ‬خارقة‭ ‬ومزيفة‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬بدأ‭ ‬الوحش‭ ‬الأمريكي‭ ‬الدموي‭ ‬الهمجي‭ ‬،‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬ضحية‭ ‬تليق‭ ‬به‭ ‬وبأسلحته‭ ‬الفتاكة‭ ‬،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬الوغدة‭ ‬الكونية‭ ‬لقصف‭ ‬وغزو‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬،‭ ‬وهما‭ ‬منبع‭ ‬الفتوى‭ ‬والرعاية‭ ‬والسقاية‭ ‬لما‭ ‬حدث‭ ‬،‭ ‬قامت‭ ‬بتبديل‭ ‬بوصلة‭ ‬الشر‭ ‬نحو‭ ‬دولة‭ ‬مريضة‭ ‬مفلسة‭ ‬مهزومة‭ ‬جائعة‭ ‬،‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬ظلم‭ ‬وظلام‭ ‬ألعن‭ ‬وأقسى‭ ‬وأحط‭ ‬حصار‭ ‬يشهده‭ ‬التأريخ‭ ‬الحديث‭ ‬كله‭ ‬،‭ ‬فكان‭ ‬الهدف‭ ‬الجديد‭ ‬هو‭ ‬العراق‭ ‬المحتضر‭ ‬،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ذرة‭ ‬صلة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الفاجعة‭ ‬الأيلولية‭ ‬السوداء‭ .‬

بعد‭ ‬سنتين‭ ‬غزت‭ ‬الجيوش‭ ‬الأمريكية‭ ‬والانكليزية‭ ‬وذيولها‭ ‬الأوربيون‭ ‬ومواخير‭ ‬عربية‭ ‬مشهورة‭ ‬ومعروفة‭ ‬،‭ ‬فتم‭ ‬إنتاج‭ ‬أفسد‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭ ‬،‭ ‬وضحايا‭ ‬زاد‭ ‬عديدهم‭ ‬على‭ ‬المليوني‭ ‬قتيل‭ ‬بالحرب‭ ‬وبالحصار‭ ‬،‭ ‬وكارثة‭ ‬رافدينية‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬تالياً‭ ‬الى‭ ‬زوال‭ ‬كل‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬وفق‭ ‬الحلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬الصهيوني‭ ‬الماسوني‭ ‬الكبير‭ .‬

بعد‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬الطويل‭ ‬،‭ ‬فاجأت‭ ‬أمريكا‭ ‬راعية‭ ‬الإرهاب‭ ‬الكوني‭ ‬،‭ ‬العالم‭ ‬بالجلوس‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬أنيقة‭ ‬وحميمة‭ ‬ومثمرة‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬طالبان‭ ‬والقاعدة‭ ‬وداعش‭ ‬والفتوى‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خروج‭ ‬سريع‭ ‬من‭ ‬المطمسة‭ ‬الأفغانية‭ ‬القاسية‭ ‬،‭ ‬وعودة‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬الديار‭ ‬وغلق‭ ‬فلم‭ ‬الغزو‭ ‬الى‭ ‬الأبد‭ .‬

خلال‭ ‬مباحثات‭ ‬ومفاوضات‭ ‬ترامب‭ ‬الجشع‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الثلل‭ ‬،‭ ‬كانت‭ ‬طالبان‭ ‬تواصل‭ ‬عمليات‭ ‬القتل‭ ‬العشوائي‭ ‬ضد‭ ‬الأبرياء‭ ‬،‭ ‬فتفجر‭ ‬حفلة‭ ‬عرس‭ ‬أفغانية‭ ‬،‭ ‬وتحرق‭ ‬فلاحين‭ ‬ببستان‭ ‬آمن‭ ‬،‭ ‬وتضرب‭ ‬مساكن‭ ‬وتجارة‭ ‬وأعمال‭ ‬الفقراء‭ ‬الأفغان‭ ‬،‭ ‬وتقصف‭ ‬حياة‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أبنائها‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬بينهم‭ ‬جندي‭ ‬أمريكي‭ ‬واحد‭ ‬يمشي‭ ‬أو‭ ‬ينام‭ ‬بدبابة‭ .‬

هنا‭ ‬أمر‭ ‬ترامب‭ ‬بوقف‭ ‬الصفقة‭ ‬وغرّد‭ ‬أنه‭ ‬الغى‭ ‬مفاوضاته‭ ‬ورجال‭ ‬جيشه‭ ‬ومخابراته‭ ‬مع‭ ‬طالبان‭ ‬العاقلة‭ ‬،‭ ‬لأنها‭ ‬نفذت‭ ‬البارحة‭ ‬عملية‭ ‬دموية‭ ‬قتل‭ ‬فيها‭ ‬عرضاً‭ ‬،‭ ‬جندي‭ ‬أمريكي‭ ‬عظيم‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ .‬

لم‭ ‬يتحرك‭ ‬ضمير‭ ‬ترامب‭ ‬وشرفه‭ ‬المزعوم‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬منظر‭ ‬آلاف‭ ‬الضحايا‭ ‬المساكين‭ ‬،‭ ‬لكنه‭ ‬تحرك‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬نبأ‭ ‬مصرع‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬جنده‭ ‬الغزاة‭ .

About this publication