US-Saudi Relations: Shared Interests Then and Now

<--

لعلاقات السعودية – الأميركية.. التاريخ.. الواقع.. المصالح

لمملكة، تاريخياً، شريك استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، وهي شراكة تقوم على الندية والتكافؤ والرغبة المشتركة، وقد استفادت المملكة من علاقتها وصداقتها الطويلة مع الولايات المتحدة الأميركية في تطوير مواردها الذاتية، وترسيخ بنية اقتصادها الوطني، وتدعيم إمكاناتها الدفاعية..

العلاقات السعودية – الأميركية كأحد المحددات الرئيسة للخريطة الجيويوليتكية في منطقة الشرق الأوسط، وكأحد العوامل المهمة في اتجاه العلاقات الاقتصادية والسياسية العالمية، ليست وليدة السبعينات كما يظن الكثيرون، بل هي علاقة قديمة تعود إلى الثلث الأول من القرن العشرين.

ولعل من دواعي العرض المنهجي لهذه العلاقة الوقوف على الجانب التاريخي، ذلك أن العلاقات التاريخية تؤثر إيجاباً في نوعية العلاقات الحالية والمستقبلية.

فقد بدأت أشكال العلاقات السعودية – الأميركية تأخذ طريقها إلى عالم الوجود السياسي مع بداية الدولة السعودية الحديثة، وذلك عقب لقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت العام 1945م وإلى اليوم فلم يتول رئيس أميركي لم يول هذه العلاقة اهتمامه الشخصي، هذا فيما يتعلق بلقاءات القمة، فضلاً عن العلاقة الدبلوماسية على مستوى السفارات والمبعوثين الخاصين والعلاقات شبه الدبلوماسية التي يخلقها جو التبادل التجاري.. وهي علاقة تتسم بالتفاعل في ضوء معطيات موضوعية تحدد سياسة كل من الدولتين، والتي على ضوء مصلحتهما السياسية والاستراتيجية العليا تترتب جميع مظاهر العلاقة إذ لم تكن هذه العلاقة هبة من أحد الطرفين للآخر بمقدار ما كانت وليدة رغبة مشتركة في التطور وتحقيق النمو الاقتصادي.

ولم تكن تقوم على تفوق موروث لأي من الطرفين على الآخر، ولكنها تقوم على تحليل منطقي لصالح الطرفين في ضوء انتماء كل منهما إلى حضارته، واحترام كل منهما لتراثه الثقافي والوطني، وفي نفس الوقت لخيارات الطرف الآخر الحضارية.. كما أنها لا تقوم على الأيديولوجيات وإنما على البراغماتية والأخلاق، فالبرغماتية من دون الفضيلة – على حد تعبير د. هنري كيسنجر – تقود إلى فعالية فوضوية والأخلاق غير المقترنة بالواقعية تؤدي إلى التعصب وزوال التحفظات.

وفي إطار التعميم السابق يأتي الحديث عن العلاقات السعودية – الأميركية باعتبارها أحد المحاور المهمة التي من مجموعها تتشكل صورة علاقتنا الخارجية مع كل أرجاء العالم.

فلم تكن العلاقات السعودية – الأميركية أحادية الاهتمام أو ذات بعد واحد بل كانت تغطي مساحة واسعة من الاهتمامات المشتركة؛ دورنا كجزء من الأمة الإسلامية والعربية من جهة ودور الولايات المتحدة كقوة عظمى ذات مصالح في منطقتنا من جهة أخرى.

وتوجهنا الفكري والعقدي المؤيد للاستقلالية والمناهض للمبادئ الهدامة من جهة، والتوازن في المصالح الدولية وخلو المناطق الاستراتيجية من الوقوع تحت السيطرة الخارجية من جهة أخرى، ورغبتنا الأساسية في تنمية وتطوير بلادنا وإحلالها محلها اللائق من طرف، وكون الولايات المتحدة أهم مراكز التكنولوجيا والتطور المادي والعمراني والتعليمي في الجانب الآخر.

والاعتراف المتبادل بين البلدين بأهمية الآخر، وكونه طرفاً أساسياً في كثير من المعادلات التي تؤثر على مصالح الطرف الآخر.. والحرص المشترك على الاستقرار – لا سيما في منطقة الشرق الأوسط – ودعم نظام الاقتصاد المفتوح وحرية التجارة.

كل هذه المرتكزات الموضوعية جعلت من العلاقات السعودية – الأميركية نسيجاً ملتحماً لا يمكن أن ينظر إليه من خلال الزاوية الاقتصادية وحدها، فالمملكة دولة ذات سيادة ورؤية واضحة تتخذ الموضوعية ومواجهة الحقائق سبيلاً للتعامل الدولي مع كل القوى العالمية والإقليمية، كما تؤمن بالاعتدال والاستقلالية في الرأي، وإشاعة السلام، وتوطيد السلم والاستقرار كمفهوم مبدئي وقيمة أخلاقية.

فالتوازن الدقيق الذي أقرته سياسة المملكة هو أن تحرص الدولة على رعاية مصالحها الوطنية ومكانتها القيادية في العالمين الإسلامي والعربي، هذا التوازن سمة لسياسة المملكة الخارجية تجاه الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية.

فالمملكة، تاريخياً، شريك استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية وهي شراكة تقوم على الندية والتكافؤ والرغبة المشتركة، وقد استفادت المملكة من علاقتها وصداقتها الطويلة مع الولايات المتحدة الأميركية في تطوير مواردها الذاتية، وترسيخ بنية اقتصادها الوطني، وتدعيم إمكاناتها الدفاعية.

ولذلك فالولايات المتحدة تدرك حجم ودور المملكة الحقيقي كدولة قائدة ومحورية، تتمتع بثقل واستقرار اقتصادي وسياسي على مستوى العالم، ومكانة قيادية على مستوى العالم العربي والإسلامي، وهذا لم يكن قصارى وحجم دور المملكة، فهي على ساحة الاقتصاد العالمي “الطاقة” العضو الأكبر بحكم حجم الإنتاج، وأحد أكبر الأعضاء الفاعلين في منظمة التجارة العالمية، وأحد الأعضاء الكبار في مجموعة العشرين الاقتصادية الكبرى، وقبل ذلك أحد الأعضاء المؤسسين لمنظمة الأمم المتحدة.

ومع إطلالة هذه المرحلة الجديدة أخذت العلاقات السعودية – الأميركية أشكالاً جديدة، أملتها الأوضاع العالمية والمتغيرات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، استدعت دخول المملكة كبلد عربي رئيس في ساحة الأحداث بقوة، حيث استخدمت المملكة ثقلها السياسي والاقتصادي والاستراتيجي، ومن هنا أخذت العلاقات السعودية – الأميركية شكلاً جديداً يعتبر فيه كل من الطرفين الطرف الآخر شريكاً أساسياً لابد من أخذ وجهة نظره باهتمام كبير في أي مسعى سياسي أو استراتيجي إقليمي وعالمي.

كل هذه المرتكزات الموضوعية جعلت من العلاقات السعودية – الأميركية نسيجاً متلاحماً، فالتوازن سمة لسياسة المملكة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من القوى، والسمة الأخرى في العلاقات الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة الأميركية هي الندية والتكافؤ.

وعندما نقوم بتحليل منطقي للعلاقة السعودية – الأميركية نجد أن الحس الاقتصادي والاستراتيجي اليوم يقف وراء العلاقة الثنائية السعودية – الأميركية، والذي يستهدف – من الجانب السعودي – المصلحة الوطنية التي تنظر إلى الوطن في إطار برنامج التحول الوطني ورؤية 2030، وهذه الرؤية تستهدف وضع الإنسان السعودي في أرقى المجتمعات البشرية، وهي محل التمسك الكامل من قبل الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله -، فجميع العلاقات ووشائج التعاون السعودي إنما ينظر إليها من الجانب السعودي على أساس خدمتها لهذا الهدف الوطني.

About this publication