The Death of the West and America’s Withdrawal: Who Will Inherit World Leadership?

<--

صحيح إن أمريكا بلد قوى مستقر وديموقراطى، وبه مؤسسات كبيرة ومهمة، تهتم بالتفوق والبقاء فى القمة. تسعى لقيادة العالم منذ قرن تقريبا بكل الطرق بما فيها القوة وأساليبها المتعددة. وتفوقت فى الادارة وفى التعليم والسياسة والاقتصاد والأمن وغيرها. وفى مقدمة تلك المؤسسات، أشير الى، مجلسي الكونجرس والنواب، والبنتاجون والاستخبارات المركزية والأمن الوطنى، والشركات عابرة القارات، والجامعات ومراكز الأبحاث الحكومية والأهلية، فضلا عن البيت الأبيض، ومجلس الأمن القومى، مما جعل كثيراً من دول العالم تسير فى الركاب الأمريكى، وتخضع للهيمنة فى صور مختلفة وأحوال متعددة أو على الأقل تتحاشى الصراع معها.وقليل من يقاوم الهيمنة الأمريكية والغربية. وبعض تلك الدول يدفع ثمنا باهظا فى ذلك أو فى طلب الحماية الأمريكية. ومجلس الأمن القومى هو الذى يضع السياسات والبدائل أمام الرئيس، وقد شهد المجلس فى عهد ترامب تغييرات بل تجاذبات عديدة بسبب تغيير رئيسه أربع مرات فى عهد ترامب. رئيس المجلس الجديد ( أوبراين) الذى تولى بعد بولتون له كتاب بعنوان: بينما نامت أمريكا. وهذا المجلس وحده يحتاج عدة مقالات إذ هو الذى يحدد السياسة الخارجية والأمنية ، وسياسة الدفاع الامريكية. ونحن لا ننسى دور كيسنجر وبريجنسكى فى تلك السياسة من قبل.

وصحيح أن صواريخ إستنجر الأمريكية، وصقر عشرين المصرية، كان لها دور كبير فى هزيمة السوفيات فى أفغانستان، ولو حصلت المقاومة الفلسطينية على تلك الصواريخ المصرية لفرض الحل نفسه على قضية فلسطين من وقت مبكر.

وصحيح أن العالم الاسلامى، ساهم فى بقاء أمريكا منفردة على قمة العالم من خلال الجهاد الأفغانى أو الحرب الافغانية، التى نتج عنها تفتيت الاتحاد السوفياتى، وتحرر دول آسيا الوسطى ، أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان. وتحرر دول أخرى فى البلطيق وأوراسيا والقوقاز بل وأواسط وشرق أوروبا وتحولها إلى النهج الرأسمالى أو هكذا زعمت، ونتج عن ذلك أيضا تفكك حلف وارسو.

كل هذا صحيح وغيره ، مما لا مجال للحديث عنه فى هذا المقال. ولكن هناك مقاربات وملابسات ومفارقات بل وإرهاصات تدل على حقيقة دامغة، ألا وهى موت أمريكا أو تدهورها وترجلها عن القيادة العالمية. تلك الحقيقة تتمثل فى حقيقة : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)… هذا بالإضافة إلى أن الصراع بين التحديات والقدرات، لا تحسمه القدرات فقط. قد تكون القدرات والامكانات كبيرة ومرعبة للآخرين ثم تأتى القشة التى تقسم ظهر البعير.

ولكن التحديات التى أمام أمريكا،والتى أعنيها هنا، قد تحول دون بقائها فى القمة على المدى القريب أو البعيد أو كما يقول العرب، مهما طال الزمن. ومن أهم تلك التحديات، خمس فى مقدمتها

التحدى الأول: التنافس الروسى الأمريكى حيث قوى الدور الروسى فى عهد بوتين وخصوصا فى العالم العربى والاسلامى وبحضور ايران وتركيا والمقاومة، وبسبب الصراع الكبير فى المنطقة، والانغماس فى قضية سوريا وقضية فلسطين وغيرها من قضايا الأمة النائمة المستسلمة

التحدى الثانى: يتمثل فى الحرب التجارية الصينية الأمريكية، وهو التحدى الذى يدور وتتحرك رحاه ببطيء شديد،وبهدوء، وتخشاه أمريكا وتعمل له الف حساب .

التحدى الثالث: هو العلاقة أو الصراع مع كوريا الشمالية وترسنتها النووية.إذ رغم اللقاءات الأمريكية الكورية لم ينتهى الصراع، وأحسب أنه قد يزداد لطبيعة المشاركين فى الحوار.

التحدى الرابع: هو العلاقة المتوترة مع طهران بعد إنسحاب أمريكا الأحمق من الاتفاق النووى المتعدد الأطراف، وفرض عقوبات أمريكية على طهران وخصوصا على النفط وحتى على الأفراد والمؤسسات، ومنع بعضهم من دخول أمريكا حتى لحضور إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وإنه لعار أن يقبل العالم هذه الهيمنة وهذا الجنوح.

أما التحدى الخامس: فهو الوجود العسكرى الأمريكى فى أفغانستان ، حيث تسعى أمريكا للخروج – كما وعد ترامب – منذ ترشحه للرئاسة فى 2016. وكانت أمريكا تظن أن رحلتها فى أفغانستان نزهة، بعد أن فرضت كرزاى على الأفغان، ولكن طالبان جعلت حياتهم فى أفغانستان جحيما ، مما يذكرنا بفيتنام. أحيانا ينقلب السحر على الساحر. وقد علق ترامب المحادثات والحوار مع طالبان، رغم رغبته الشديدة للخروج من هذا المستنقع.

وطبعاً ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ حتى لو كان ترامب أو كانت أمريكا. إن طالبان تسيطر على نصف أفغانستان أو أكثر، كما تدرك أمريكا، وحكومة أشرف غنى التى جاءت بعد حكومة كرازاى لا تستطيع فرض الاستقرار فى أفغانستان حتى فى كابل العاصمة ، وقد فشلت أمريكا فى مواجهتها مع طالبان على أرض افغانستان بجبالها وقبائلها وصلابتها على مدى 19 عاما تقريبا بعد عاصفة سبتمبر 2001 . هناك عشرون ألف عسكرى وضابط من قوات الناتو فى أفغانستان منهم 14 الف أمريكى، يريد ترامب أن يسحبهم جميعا أو على فترات سالمين إلى بلدهم وعائلاتهم . وتريد أمريكا فقط من طالبان ضمانات ألا توفر المأوى للقاعدة وداعش، وألا تسمح لهم بأى هجوم على أمريكا أو مصالحها، كما تريد أمريكا من طالبان قبول محادثات مباشرة مع الحكومة الأفغانية القائمة، ولكن طالبان تريد أن تسحب أمريكا كل جنودها ، وكل قوات الناتو ولا يبقى منهم أحد فى أفغانستان ،مع الحكومة الأفغانية التى جاءوا بها، ومع ذلك فإن أمريكا لا تفهم أن العلاقات الافغانية الأفغانية شأن داخلى.

ولكن (موت الغرب) المقصود هنا، لا علاقة له بالأسباب والتحديات التى ذكرتها آنفا فى هذا المقال ، إنما له علاقة بنظرات بعض الفلاسفة الغربيين أنفسهم، عن حالة المجتمع الاخلاقية والأسرية وثقافة الغرب. كان بعض الفلاسفة فى الغرب ومنهم فرانسيس فوكوياما قد كتبوا من قبل عن نهاية التاريخ، وكانوا يبشرون بسيادة الحضارة الغربية إلى الأبد ووصولها إلى القمة التى يريدها الجميع ولا مجال للبحث بعدها أو لمزيد من التفوق.

ولكن فوكاياما عاد وإعتذر عن نتائج هذا البحث، فالمجال مفتوح للتفوق، والذى ليس له نهاية ولا سقف طالما استمرت الحياة.

وقد ظهرت كتابات عديدة وأفلام تتحدث عن موت الغرب أو موت أمريكا. من هذه الكتب والافلام، فيلم (موت أمة) فى سنة 2018- داينش دي سوزا ، وكتاب : يوم آخر فى موت أمريكا للكاتب جارى يونج، ومنها : موت الغرب السياسى المعروف، باتريك بوكانان. بعضهم رأى ذلك الموت على نوعين، الموت البيولوجى ، والموت الآخلاقى الاجتماعى.

وتتلخص أهم الأسباب التى يشير إليها هؤلاء الكتاب والفنانون فى تفشى الجريمة ، والكراهية والعنف الأبيض أو خرافة التفوق الأبيض، والمخدرات والمسكرات ،والشيخوخة التى أصابت المجتمعات الغربية، بسبب الثقافة الغريبة السائدة ، ونقص الانجاب أو التكاثر الطبيعى ، وكثرة الأسر التى بلا أب ولا أم . هذا مع كثرة الاجهاض والعلاقات الجنسية خارج الزواج، وبسبب العلاقات الشاذة، ومنها إنتشار أو السماح بالشذوذ الجنسى،حتى فى بعض دور العبادة. هذا طبعا فضلا عن كثرة المسئين، وهبوط المعدل السكانى ، وإهمال القيم الدينية مع وجود التعصب الدينى والعرقى الأعمى.

ويكفى هنا أن نذكر ذلك البحث الذى نشرته جامعة هارفارد مؤخرا فى سبتمبر ٢٠١٨ ، ذلك الذى يوضح أن اهمال القيم الدينية ، وعدم حضور الدروس الدينية ولو مرة واحدة فى الأسبوع، يؤدى إلى زيادة الجريمة فى المجتمع مع العنف والانحراف الأخلاقى أكثر. والبحث قامت به مدرسة شان للصحة العامة فى أشهر جامعات العالم. ويبين البحث الصِّلة الوثيقة بين التربية الدينية وبين صحة الجسد والعقل بل والسعادة، والتعافي من المخدرات والتدخين والاكتئاب. وتقوم بالبحث فى نفس الميدان حاليا جامعات أخرى شهيرة منها ميتشغان الامريكية وبعض الجامعات البريطانية.

أنا هنا لا أتكلم عن عوامل خارجية فى موضوع موت أمريكا، ومنها الانفجار السكانى فى دول أخرى خارج أوروبا وأمريكا مثل بعض دول آسيا، وبعيدا عن الاحتباس الحرارى أو تغيير المناخ العام أو الزلازال والبراكين أو يوم القيامة ، إنما اردت التركيز على الظاهرة التى لفتت إهتمام بعض الفلاسفة والمفكرين الغربيين وفى مقدمتهم باتريك بوكانان.

ويظل السؤال قائما، من يا ترى سيرث الحضارة الغربية عند موتها؟ وهل العالم الاسلامى مؤهل لتلك المهمة الكبيرة؟ وإذا لم يكن مؤهلا اليوم فمتى يكون مؤهلا؟ وكيف وسط هذه الصراعات والحروب والتخلف والارهاب أو الإتهام بالإرهاب فى العالم العربى والاسلامى، يمكن لنا أن نرث هذه الحضارة ونقوم بتنميتها، وإنقاذ القيم الانسانية؟ أسئلة كثيرة أطرحها لعلها تحفزنا جميعا للتفكير فى المستقبل، أوالخروج من الصراع القائم، وأداء الدور العظيم المناط بالامة. ( كُنتُم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). ولعلنا ننجح فى توعية الشعوب، أو ندلهم على طرق بناء المستقبل، خروجا من الصراع.( وقولوا للناس حسنا).

وبالله التوفيق

About this publication