Will the Phone Call Get Trump Impeached?

<--

اشتعلت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بأزمة جديدة أثارها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما دفع خصومه الديمقراطيين إلى إعلان البدء بإجراءات عزل الرئيس قبل سنة من انتهاء ولايته الرئاسية. مكالمة هاتفية بين الرئيس ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير سيلينسكي‏ طلب فيها ترامب اتخاذ إجراءات ضد خصمه المحتمل في الانتخابات المقبلة، جو بايدن، نائب الرئيس السابق أوباما والمرشح الأوفر حظا لمواجهة ترامب في انتخابات الرئاسة عام 2020‏.

لكن، كيف تم تسريب المعلومات المتعلقة بمضمون المكالمة؟ وما هو رد فعل البيت الأبيض على التسريب؟ وما أهمية الخطوات التصعيدية لمجلس النواب ذي الأغلبية الديمقراطية؟ وهل سيتحقق عزل الرئيس، لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة؟ كل تلك الأسئلة باتت مطروحة وبشدة في الساحة السياسية الأمريكية هذه الأيام.

بداية القصة كانت مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الأوكراني سيلينسكي جرت يوم 25 يوليو/تموز الماضي‏، طلب فيها ترامب من سيلينسكي إجراء تحقيق يستهدف خصمه من الحزب الديمقراطي جو بايدن، وابنه هانتر الذي يعمل في قطاع الغاز والبترول، إذ تمتلك عائلة بايدن استثمارات في قطاع الغاز ‏في أوكرانيا‎.‎ أما من قام بتسريب المكالمة فهو أحد عملاء الاستخبارات الامريكية (CIA) الذي كان منتدبا للعمل في البيت الابيض، وقد اكتشف فحوى المكالمة الهاتفية نتيجة الأعمال الروتينية التي تقوم بها الوكالات الأمنية، وأثار انتباهه ما تحويه المكالمة من خروق سياسية، فأوصل الأمر إلى لجنة الأمن والدفاع في الكونغرس في 12 أغسطس/آب الماضي، الشخص لم يكشف عن هويته حتى الآن، لكن كل ما يتعلق به من معلومات وتصريحات تم التعرف عليها عبر محاميه أندرو باكاج.

النائبة الديمقراطية بيلوسي نانسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي أعلنت يوم 25 سبتمبر/أيلول وبشكل رسمي إطلاق إجراءات التحقيق في مجلس النواب في الاتهامات الموجهة للرئيس دونالد ترامب، بغية البدء بإجراءات عزله، إذ سيحقق مجلس النواب في ما إذا كان الرئيس ترامب قد لجأ إلى طلب مساعدة أوكرانيا من أجل التضييق على منافسه الديمقراطي الأساسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة‏، جو بايدن، وسيتوزع الاتهام القانوني الذي سيوجه للرئيس إلى شقين، الأول؛ استغلال الرئيس ترامب لمنصبه، والاستعانة بقوة خارجية للحصول على تغييرات سياسية داخلية، عبر التأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. أما الشق الثاني من الاتهام فسيوجه لمسؤولين في البيت الأبيض حاولوا التستر على أدلة متعلقة بهذه المكالمة الهاتفية، كما سعوا إلى حجب وتغيير المعلومات الواردة فيها.

اتسم موقف الرئيس ترامب، وكما تعود عليه المراقبون، بالغضب والسخط أولا، ثم الاستهزاء من إجراءات خصومه الديمقراطيين، ومهاجمتهم بشكل سافر وبكلمات حملت الكثير من رموز الإهانة، إذ نفى ترامب القيام بأي تصرف غير لائق، لكنه أقر بأن اسم جو بايدن، منافسه المحتمل في انتخابات ‏الرئاسة المقبلة، ورد في نقاش مع الرئيس الأوكراني سيلينسكي، في مكالمة هاتفية في ‏يوليو الماضي،‎ لكنه أضاف أن ضجة الديمقراطيين فارغة، وإن كل ادعاءاتهم عارية من الصحة، وإنه لم يمارس أي ضغوط على الرئيس الأوكراني، كما شدد الرئيس ترامب على أن الغاية من إطلاق هذه الأزمة في هذا التوقيت هو التأثير على مجريات الانتخابات المقبلة، وذلك لعلم الديمقراطيين بموقفهم الضعيف فيها.

كما أشار الرئيس ترامب في تصريح للصحافيين بالقول؛ إن من يرى ما حققته من إنجازات في الاقتصاد الأمريكي، ورفع مستوياته، والقوة التي امتلكها الجيش الأمريكي المتواجد في مختلف دول العالم خلال الثلاث سنوات الماضية سيفهم جيدا أن موقفي في الانتخابات المقبلة قوي جدا، ‏وإن فرصتي بالفوز فيها كبيرة جدا. لذلك يسعى الديمقراطيون عبر هذه الضجة إلى التأثير على الناخب الأمريكي والتشويش عليه.

من جانبه دعا نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، الرئيس دونالد ترامب إلى التعاون بشكل ‏كامل مع التحقيقات التي يجريها الكونغرس، فقد أعلن في بيان تزامن مع بدء الازمة قال فيه «إذا استمر الرئيس ترامب بالاستهزاء بالقانون، فإنه لن يترك أمام ‏الكونغرس إلا البدء بإجراءات عزله». ‏

صعوبة وتعقيد إجراءات عزل الرئيس الأمريكي قد تقف سدا منيعا يحول دون عزل ترامب

يبقى السؤال الأهم هو، هل سبق أن تم عزل رئيس عبر التاريخ الامريكي؟ وإلاجابة هي النفي. إذ ينص الدستور الأمريكي على أن عزل الرئيس لا يتم إلا في حالات محددة مثل اتهامه بالخيانة، أو الرشوة، أو ‏غيرها من الجرائم الخطيرة. لكن هل تم ذلك عبر التاريخ الأمريكي الممتد لحوالي 200 عام و44 رئيسا حكموا الولايات المتحدة قبل ذلك؟ المعلومات تفيد بعدم وجود رئيس أمريكي تم عزله، لكن الرئيس الأمريكي الوحيد الذي واجه إجراءات العزل حتى النهاية، ولكنها لم تؤد إلى العزل هو أندرو جونسون الرئيس رقم 17 في التاريخ الأمريكي، والذي تولى ‏منصب ‏الرئاسة عام 1865، بعد أن كان نائبا للرئيس إبراهام لينكولن ثم اصبح رئيسا بعد اغتياله، وقد طالب مجلس النواب بعزل جونسون في عام 1868. وجاء التصويت على عزله بعد مضي ‏‏11 ‏يوما فقط على تنحيته وزير الدفاع أدوين ستانتون بسبب عدم اتفاق الأخير مع سياسات الرئيس، ولأن هذه النقطة كانت حساسة جدا بعيد الحرب الأهلية الأمريكية، لذا تعرض الرئيس جونسون لإجراءات العزل، لكنه نجا من العزل بفارق قليل جدا، إذ فشلت محاولة عزله بفارق صوت واحد بفضل تصويت ‏الجمهوريين له.

أما الرئيس بيل كلينتون فقد واجه ‏التهديد بإجراءات العزل بتهمة الكذب ‏أمام هيئة محلفين كبرى وعرقلة عمل العدالة، وذلك بعد كذبه في توصيفه لطبيعة العلاقة التي ربطته بمونيكا ‏لوينسكي، وطلبه منها أن تكذب حول الموضوع بعدئذ‎.‎ وكان مجلس النواب قد صوت بأغلبية 228 مقابل 206 لصالح عزل كلينتون، ولكن عندما أحيلت القضية إلى مجلس الشيوخ عام 1999، لم تحظ بتأييد الثلثين من أعضاء ‏المجلس الضرورية لتمريرها فتوقفت إجراءات العزل.

لقد ذكرت تقارير إعلامية أمريكية أن مسؤولين في البيت الأبيض قلقون بشأن احتمال تورط ‏محامي ترامب، رودي جولياني، في تحريك مجموعة من السياسات الخاصة بأوكرانيا في الخفاء، ‏لاستهداف بايدن، ما يعني أن احتمالية تدحرج كرة الجليد في هذه الأزمة كبيرة، ومن جانب أخر أشار استطلاع أجرته جامعة مونماوث في وقت سابق من شهر سبتمبر/أيلول، قبل ذيوع قضية «المكالمة الأوكرانية»، ‏تبين منه أن 35% من الأمريكييين يرون أنه ينبغي عزل ترامب‎.‎

لكن تبقى صعوبة وتعقيد إجراءات عزل الرئيس الأمريكي سدا منيعا يحول دون عزل دونالد ترامب، فالإجراءات معقدة، ويمكن توضيحها بعجالة؛ إذ تمر إجراءات عزل الرؤساء الأمريكيين في الحالات العادية عبر مرحلتين، الأولى في مجلس النواب، ‏والثانية في مجلس الشيوخ، وتشمل تلك الإجراءات خمس خطوات، إذ تبدأ بفتح تحقيق في المشكلة التي حركت موضوع العزل، والحصول على الأغلبية البسيطة في اللجنة القضائية في مجلس النواب، علما بأنها تتكون من ‏‏41 عضوا‎، ثم الحصول على أغلبية بسيطة (النصف + واحد) في مجلس النواب، وكل هذه الخطوات تعد في نظر المراقبين بسيطة ويمكن للديمقراطيين إنجازها لأنهم يملكون أغلبية في مجلس النواب‎، ينتقل بعدها مشروع قرار العزل إلى مجلس ‏الشيوخ، الذي يعمل بصفة هيئة محلفين بأعضائه المئة‎.‎

يبدأ مجلس الشيوخ المحاكمة، ويمثل أعضاء مجلس النواب سلطة الاتهام، بينما ‏يمثل أعضاء مجلس الشيوخ هيئة المحلفين، فيما يقود المحاكمة رئيس المحكمة العليا ‏الأمريكية‎.‎ يجري بعدها التصويت داخل مجلس الشيوخ على اتهام الرئيس، بعد الاستماع للشهود ومرافعات ‏الادعاء ومحامي الرئيس، ويشترط لإدانة الرئيس تصويت ثلثي أعضاء المجلس على القرار‎.‎ وبما أن مجلس الشيوخ ذو اغلبية جمهورية حاليا، إذ يضم 53 عضوا من الحزب الجمهوري من أصل 100 ‏. وعزل الرئيس يتطلب الموافقة على إدانته من 67 صوتا، ما يعني الحاجة إلى 20 عضوا جمهوريا يصوتون لعزل الرئيس، وهو أمر مستبعد أو صعب جدا. لكن في النهاية يمكننا قراءة ورقة اجراءات العزل على إنها احدى اوراق الضغط التي يلعبها الديمقراطيون قرب نهاية ولاية الرئيس ترامب، وهي محاولة للضغط عليه للانسحاب من السباق الانتخابي المقيل، كما حصل في فضيحة ووترغيت التي هددت الرئيس نيكسون بالعزل، فنصحه حزبه الجمهوري بالاستقالة حفاظا على ماء الوجه، وهذا ما تم، من دون اللجوء لاجراءات العزل بحقه، وربما يتوقع المراقبون سيناريو مشابها، سيجبر ترامب على الاكتفاء بولاية واحدة، لكنهم لا يستبعدون من حساباتهم مفاجآت ترامب غير القابلة

About this publication