التناقضات الرئيسة في الاتفاق بين العراق والولايات المتحدة
: اشتمل الاتفاق بين الولايات المتحدة والعراق حول أوضاع القوات، والذي سمي باتفاق بشأن انسحاب قوات الولايات المتحدة الأميركية من العراق، على جملة من التناقضات التي جاءت نتيجة لمحاولة تجميل الاتفاق أمام الرأي العام العراقي والرأي العام الدولي، وربما كان أهم تناقض هو ذلك القائم بين المادة الرابعة المعنونة «المهمات» والمادة الـ24 المعنونة «انسحاب القوات الأميركية من العراق».
فعلى حين تنص المادة الرابعة على: «تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لمساندتها في جهودها من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق، بما في ذلك التعاون في القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والجماعات الخارجة عن القانون وبقايا النظام السابق». نرى أن المادة الـ24 تبدأ بعبارة «اعترافاً بأداء القوات الأمنية العراقية وزيادة قدراتها، وتوليها لكامل المسؤوليات الأمنية، وبناء على العلاقة القوية بين الطرفين، فإنه تم الاتفاق على ما يلي:» أي إن المادة الرابعة يفهم منها أن حكومة العراق غير قادرة وحدها، أي باستغلال قدرات قواتها الأمنية على تحقيق الأمن والاستقرار ولذلك فهي تطلب المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة، بينما ترى المادة الـ24 الاعتراف بأداء القوات الأمنية العراقية وزيادة قدراتها، بل وتوليها لكامل المسؤوليات الأمنية، فلو أن بداية المادة الـ24 صحيحة لما كانت هناك حاجة لمساعدة قوات الولايات المتحدة لمساندتها في جهودها من أجل حفظ الأمن والاستقرار.
ويظهر التناقض الثاني بين المادتين فيما جاء في المادة الرابعة عن أن «يواصل الطرفان جهودهما للتعاون من أجل تعزيز قدرات العراق الأمنية، وفقاً لما قد يتفقان عليه، بما في ذلك التدريب والتجهيز والإسناد والإمداد وبناء وتحديث المنظومات اللوجستية، بما في ذلك النقل والإيواء والتموين للقوات الأمنية العراقية». وليس هناك حد زمني لهذا التعاون بما يفتح الباب لبقاء قوات أميركية في العراق بعد نهاية عام 2011 متناقضا مع ما جاء في المادة الـ24 عن انسحاب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي والمياه والأجواء العراقية في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر عام 2011 ميلادي. ويكتمل التناقض مع المادة الـ28 عن المنطقة الخضراء. حيث للحكومة العراقية أن تطلب من قوات الولايات المتحدة دعماً محدوداً ومؤقتاً للسلطات العراقية في المهمة المتعلقة بالأمن في المنطقة الخضراء، وعند تقديم مثل هكذا طلب تقوم السلطات العراقية ذات الصلة بالعمل بصورة مشتركة مع قوات الولايات المتحدة بشأن الأمن في المنطقة الخضراء خلال الفترة الزمنية التي تحددها الحكومة العراقية، أي إن مثل هذه المهمات يمكن أن تكون الباب الخلفي الذي يسمح للقوات الأميركية بالبقاء في العراق أو داخل وخارج المدن والقرى والقصبات العراقية بعد الموعد النهائي لانسحاب قوات الولايات المتحدة الأميركية.
أما ما جاء في المادة الـ24 من الاتفاق عن انسحاب قوات الولايات المتحدة من المدن والقرى والقصبات العراقية إلى المناطق والمساحات المتفق عليها فهو أولا يحقق مصلحة القوات الأميركية بإبعادها عن مناطق عمل المقاومة العراقية بينما يوفر لها حق الخروج للقيام بعمليات توصف بأنها ضد القاعدة أو المجموعات الإرهابية الأخرى والجماعات الخارجة عن القانون وبقايا النظام السابق، كما أنه يمكّن قوات الولايات المتحدة من الانطلاق من العراق إلى العمل ضد الدول المجاورة للعراق.
إذا انتقلنا إلى المادة السادسة من الاتفاق والتي تتحدث عن سيطرة قوات الولايات المتحدة على دخول المنشآت والمساحات المتفق عليها المخصصة لاستخدامها حصرياً، وتقول بأن يقوم الطرفان بالتنسيق بشأن السيطرة على دخول المنشآت والمساحات المتفق عليها للاستخدام المشترك، وحسب آليات تضعها اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية المشتركة، وينسق الطرفان مهام الحراسة في المساحات الملاصقة للمنشآت والمساحات المتفق عليها من خلال اللجنة المشتركة لتنسيق العمليات العسكرية. أي إن الاتفاق ينزع إشراف العراق على هذه المنشآت والمساحات ويجعلها مشتركة بحيث لا يستطيع العراق فرض سلطته عليها، ليست هي وحدها، وإنما في الساحات الملاصقة لها أيضا، وهو ما يتناقض مع بداية المادة عن «الاحترام الكامل لسيادة العراق».
تختص المادة الـ12 في الاتفاق بالولاية القضائية، وهنا نلاحظ نزع الولاية القضائية العراقية، ففي خارج المنشآت والمساحات التي توجد بها القوات الأميركية تكون الولاية للقانون العراقي على المتعاقدين المستخدمين، بينما تكون الولاية القضائية للولايات المتحدة على أفراد القوات الأميركية وأفراد العنصر المدني بشأن الأمور التي تقع داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها، وأثناء حالة الواجب خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها، وفي الظروف غير الأحداث الجسيمة، أي إن الولاية القضائية العراقية مشروطة بعكس القول بالاعتراف بحق العراق السيادي في تحديد وفرض قواعد القانون الجنائي والمدني على أراضيه.
أما عند اعتقال أو احتجاز أفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني من قبل السلطات العراقية، فيلتزم العراق بإخبار سلطات قوات الولايات المتحدة بذلك فوراً وتسليمهم لها خلال 24 ساعة من وقت الاعتقال أو الاحتجاز. أما عندما يمارس العراق ولايته القضائية، فتتولى سلطات قوات الولايات المتحدة عندئذ مهمة احتجاز المتهم من أفراد قوات الولايات المتحدة أو العنصر المدني. وعلى سلطات قوات الولايات المتحدة تقديم أولئك الأفراد المتهمين إلى السلطات العراقية لأغراض التحقيق والمحاكمة. طبعا ليست هناك فقرات مشابهة في حال اعتقال القوات الأميركية لأفراد عراقيين.
كذلك تنص المادة على أن توافق حكومة العراق على ممارسة الولاية القضائية طبقا لما سبق بالنسبة لأفراد القوات الأميركية والمستخدمين المدنيين فقط بعد إقرارها وإخطارها الولايات المتحدة تحريرياً خلال 21 يوما من اكتشاف الجريمة التي يدّعى وقوعها، بأن لممارستها تلك الولاية القضائية أهمية خاصة، أي أن الولاية القضائية التي يمنحها الاتفاق لحكومة العراق بشروط ويمكن أن تطعن فيها الولايات المتحدة على نحو يلغيها!
هكذا نرى أن الميزات التي تحسب للاتفاق لصالح العراق مشروطة بشروط كثيرة بحيث يمكن أن تسحب اليد اليسرى ما أعطته اليد اليمنى، ويمكن السير قدما في تقصي التناقضات مادة مادة، ولكن ما سبق يكفي!
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.