Obama: New Relations with Egypt

<--

من الطبيعي أن ينصب التركيز في هذه المرحلة علي شخص الرئيس الأمريكي الجديد لاستشراف مرحلة جديدة من منظومة العلاقات السياسية الدولية‏,‏ ومرجع هذا أنه طوال سنوات ثمان‏,‏ كانت سياسة سلفه جورج دبليو بوش وجماعته من المحافظين الجدد‏,‏ قد أدخلت العالم في دوامة من الفوضي السياسية والاقتصادية والمالية‏..‏ ومن ثم فقد بات تعيين رئيس أمريكي جديد هو علامة فارقة في الوضع العالمي‏.‏

إلا إنني أود أن أسوق ملاحظات أراها حيوية في هذه المرحلة وأهمها‏:‏

أولا‏:‏ أن الرئيس الجديد قد ورث من سلفه تركة لا تمكنه من أن يكون مطلق اليد في سياسته الكونية والهيمنية‏,‏ فالوضع الداخلي سوف يلقي بظلاله علي تحركاته وآفاق تخطيطه وفكره‏.‏

ثانيا‏:‏ إن أولويات الرئيس الجديد الخارجية قد أفردها في خطاب تنصيبه‏,‏ وتتركز تحديدا علي الانسحاب من العراق‏,‏ وتشديد القبضة علي التنظيمات الإرهابية في أفغانستان‏,‏ واللجوء إلي دبلوماسية القوة الناعمة ومحاولة تبييض صورة الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ والانفتاح علي العالم الإسلامي بدون حساسية ـ مما كان يطلق عليه الخطر الأخضر نسبة إلي الإسلام السياسي‏.‏

ثالثا‏:‏ يهدف أوباما لفتح قنوات تحاور مع إيران‏,‏ باعتبارها قوة موجودة ومؤثرة في المجال الجيو استراتيجي‏,‏ ومن هنا كان اهتمامه ـ وفقا لما نشرته جريدة الجارديان البريطانية ـ بالرد علي خطاب التهنئة الذي أرسله له محمود أحمدي نجاد بمناسبة تعيينه‏,‏ وأن يبعثه برسالة منه للشعب الإيراني ـ توجه إما عبر آية الله علي خامنئي أو ببيان يصدر منه ويذاع بصورة رسمية‏,‏ ولسوف يحدد نطاق التحرك الأمريكي‏,‏ بالانتخابات الإيرانية التي ستجري في يونيو المقبل‏,‏ وبالموقف الإيراني من الأمور الجوهرية للولايات المتحدة خاصة موضوع الخيار النووي‏,‏ مع فتح المجال للتفاهم حول النقاط الأخري ـ ويرجح أنها ستتم عبر مبعوث أمريكي لإيران يتردد أنه دينيس روس‏.‏

رابعا‏:‏ إن أوباما لم يكن في مخططه الدخول في نفق القضية الفلسطينية في هذه المرحلة‏,‏ إلا أن أحداث غزة الدامية والمأساوية‏,‏ فرضت عليه هذا الملف الآن‏.‏

خامسا‏:‏ إن انطلاقات الولايات المتحدة عسكريا‏,‏ سوف تقيد منها إمكاناتها المالية والاقتصادية والداخلية بصورة هيكلية‏.‏

ثم نأتي لموضوع علاقات إدارة أوباما ومصر‏,‏ وقناعتي أن هذا الموضوع قد طرح نفسه استنادا الي ان العلاقات المصرية ـ الأمريكية في نهاية عصر سلفه جورج دبليو بوش لم تكن قوية سياسيا‏,‏ وذلك بفعل اختلاف مصر مع مضمون الخط السياسي الأمريكي في المنطقة‏,‏ خاصة بالنسبة للعراق والسودان‏,‏ ومع المفهوم الأمريكي لمحاربة الإرهاب‏,‏ والذي فسرته بحقها في التدخل في بعض الشئون التي تعتبرها مصر داخلية وتدخل في السلطة السيادية لها‏..‏ من هنا فقد كان حتميا استشراف مصر لأسلوب حكم أوباما استنادا لخطابه السياسي‏,‏ والذي يعكس مفهومه لكيفية ادارة الشئون الخارجية الأمريكية‏,‏ ولقد بدا خطابه السياسي‏,‏ وطرحه لتصوره السياسي‏,‏ جديدا وواضحا منذ بداية حكمه‏,‏ فقد كان أول قرار اتخذه هو إغلاق معتقل جوانتانامو في بحر اثني عشر شهرا‏,‏ وفي ثاني ايام حكمه عين مبعوثين شخصيين له في الشرق الأوسط ـ وتحديدا فلسطين وإسرائيل في هذه المرحلة ـ وافغانستان‏,‏ واعطاء مبعوثه للشرق الاوسط جورج ميتشيل صلاحيات كبيرة‏,‏ ولا جدال في ان اختيار جورج ميتشيل لتولي هذه المهمة‏,‏ كان اختيارا موفقا وكاشفا‏,‏ فهو شخص محايد ـ وليس كدنيس روس أو دانيال كيرتزر المعروفين بانحيازهم

ا لإسرائيل ـ وهو مؤهل لتولي هذا الملف الشائك‏,‏ استنادا لما حققه من نجاح في حل المسألة الأيرلندية‏,‏ وعلي ضوء التقرير الذي قدمه بصفته رئيسا للجنة تقصي الحقائق التي أوفدت لفلسطين وإسرائيل في يونيو‏2001,‏ إلا أن الانتخابات الإسرائيلية والوضع الإقليمي قد يقيدان من حدود تحرك جورج ميتشيل‏.‏

ووفقا لهذه المحددات‏,‏ بات تحديد الدور المصري بأسلوب براجماتي‏,‏ وفي هذه المرحلة تحديدا‏,‏ ضرورة حيوية‏,‏ وذلك من المنطلقات التالية‏:‏

أولا‏:‏ إن الدور المصري يلزم أن يكون مرتبطا بوجود إقليمي فاعل‏,‏ وإن دور مصر في الموضوع الفلسطيني يلزم أن يكون حاضرا‏,‏ باعتبار أن الأمن الفلسطيني ـ خاصة في قطاع غزة ـ يمس بصورة مباشرة الأمن القومي المصري‏.‏

ثانيا‏:‏ إنه قد آن الأوان لتقوم مصر بدورها السابق في إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية‏,‏ ذلك أن غياب منظومة المقاومة الفلسطينية الواعية والمتعقلة والتي تضم الكوادر السياسية الفلسطينية الفاعلة والمؤهلة لتولي الجانب الاستراتيجي والتكتيكي والتخطيطي والسياسي للمقاومة ضد المحتل‏,‏ قد افسح المجال لجماعة تعتمد علي مجرد المزايدة غير الو اعية والمتاجرة السياسية‏,‏ لتتحدث باسم المقاومة‏..‏ فضلا عن أنه سوف يكون منوطا بمنظمة التحرير في المرحلة المقبلة تحديد أولوياتها التفاوضية مع إسرائيل‏,‏ خاصة بعد أن تبدت اهداف اسرائيل بوضوح وجلاء‏,‏ بأنها ستطالب بتقديم تنازلات كبيرة لتكريس التوصل لاتفاق سلام ـ وقناعتي أن وجود المنظمة بصورة فاعلة وقوية سوف يشكل دعما للمفاوض الفلسطيني‏.‏

ثالثا‏:‏ أن موقف مصر الإيجابي والقوي سيكون مطلوبا في هذه المرحلة‏,‏ حتي لا يفرض عليها أوضاعا قد تضر بأمنها الوطني‏..‏ فقوة الموقف المصري في مواجهة مذكرة التفاهم الأمريكية ـالإسرائيلية وإعلان الرئيس مبارك أن حدود مصر خط أحمر‏,‏ كان رسالة واضحة عن تشدد النهج المصري في التعامل مع مجريات الأحداث الجارية‏,‏ فمصر لا يمكنها أن تقبل بمنظومة أمن إقليمي يدخل فيها الناتو والاتحاد الأوروبي وغيرهما‏,‏ بوجود عسكري فاعل‏,‏ دون أن يكون لها رأي وقبول‏,‏ فضلا عن أن الاتفاق الإسرائيلي ـ الأمريكي يحدد آليات لا توافق عليها مصر ـ شكلا ومضمونا ـ وأهمها موضوع المراقبين الدوليين الذين سيناط بهم التأكد من عدم تهريب السلاح عبر الطريق البري‏..‏ فضلا عن أن تمسك مصر وتأكيدها دورها في القضية الفلسطينية عبر المبادرة المصرية‏,‏ والقبول الدولي بأهمية الدور المصري في اتفاق المهادنة والوفاق الفلسطيني ـالفلسطيني‏,‏ وإصرارها علي إجبار إسرائيل علي فتح المعابر ورفع الحصار عن قطاع غزة‏,‏ وحضورها النشيط والفاعل في موضوع تقديم المعونات والمساعدات لقطاع غزة‏,‏ وتمسكها بوضع إسرائيل كدولة احتلال‏,‏

قد أدخل مصر في جبهة جديدة‏,‏ لا تحسب فيها علي المعتدلين أو المتشددين‏,‏ بل علي المصريين‏.‏

About this publication