من يتحرر أولا.. أميركا أم فلسطين؟
الأثنين نوفمبر 8 2010 – محمد جلال عناية
تحدث الجنرال جورج براون، الرئيس الاسبق لهيئة الأركان المشتركة للقوات الاميركية، عام ١٩٧٤، في طلاب جامعة ديوك، وركّز براون في حديثه على سيطرة اليهود في الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة، وعلى الاقتصاد، وعلى الإعلام، فقال الجنرال براون دون تحفظ: «يأتينا الاسرائيليون لطلب معدات عسكرية، فنقول لهم إننا لا نستطيع الحصول على موافقة الكونغرس على برنامج مثل هذا، فيقولون لنا لا بأس عليكم، سنتولى نحن امر الكونغرس».
ويتابع الجنرال براون كلامه بمزيج من الغضب والمرارة: «هؤلاء الناس من بلد آخر ويستطيعون فعل هذا هنا «في الولايات المتحدة». إنهم «اليهود»، يمتلكون كما تعلمون، البنوك في هذا البلد وكذلك الصحف».
قبل حديث الجنرال براون بسنة، ظهر السيناتور الاميركي السابق وليم فولبرايت في ١٥ نيسان ١٩٧٣، في البرنامج التلفزيوني «واجه الأمة»، الذي بثته محطة «سي. بي. اس»، لمناقشته في السياسة الاميركية في الشرق الاوسط، فقال السناتور فولبرايت خلال المناقشة: «ان اسرائيل تسيطر على مجلس الشيوخ الاميركي».
كان فولبرايت شخصية بارزة على الساحة السياسية الاميركية، وكان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي، ولكن تصريحه حول سيطرة اسرائيل على مجلس الشيوخ سرعان ما غاب عن الأعين والاسماع من الصحف ومحطات الاذاعة والتلفزيون التي تخضع لسيطرة اليهود، حتى لا تصل هذه الحقيقة الى أذهان الاميركيين.
وفي الدورة الانتخابية التي تلت هذه الحادثة، تدفقت اموال اليهود على ولاية اركنساس، وتضافرت القوى اليهودية من داخل الولاية ومن خارجها لهزيمة فولبرايت، ومناصرة منافسه المغمور ديل بامبرز الموالي لاسرائيل، مع ان للسناتور فولبرايت اياد بيضاء على اليهود، عندما عمل على تعطيل اللجنة الخاصة التي كان يرأسها السناتور مكارثي، وتركز عملها على ملاحقة أصحاب الافكار الليبرالية من اليهود، وتصمهم بالخيانة وتتهمهم بالشيوعية.
وصف الكاتب والسياسي المحافظ باتريك بيوكانن «الكابتول هيل» الذي يضم اعضاء الكونغرس في مجلسي الشيوخ والنواب، على انه «مقاطعة خاضعة للاحتلال الاسرائيلي»، مشبها إياه بالضفة الغربية وقطاع غزة «٢٠/ ١٠/ ١٩٩٠».
وخلال أزمة الخليج «١٩٩١»، قال بيوكانن: «توجد جماعتان فقط، تقرعان الطبول لاشعال حرب في الشرق الاوسط: وزارة الدفاع الاسرائيلية، واتباعها في الولايات المتحدة الذين يرددون «آمين».
إن وضع اليهود الاميركيين المتميز اقتصاديا والثراء الذي هم عليه، قد جعلهم في وضع المقتدر على تقديم الدعم المالي لليهود الآخرين في مختلف أنحاء العالم، وكما ان الولايات المتحدة ارتفعت مكانتها خلال الحرب العالمية الثانية، فان يهود امريكا ازدادت قوتهم كذلك، واصبحوا في مركز القيادة بالنسبة ليهود العالم، لأنهم يشكلون اكبر جالية يهودية بقيت خلال الحرب على حالها دون ان يلحقها أذى.
ان تقديم الدعم المالي لاسرائيل، ولفيض اليهود المهاجرين من الاتحاد السوفياتي، كان من الأمور التي تحتاج اموالا كثيرة للدعم، وكانت مؤسسة «الغوث اليهودي الموحد» هي مصدر هذا الدعم الذي تجاوز ٥٠٠ مليون دولار في العام ١٩٧٤.
منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت انشطة الجالية اليهودية في أميركا تنفذ من خلال شبكة واسعة من المنظمات والاتحادات والمؤسسات، وان هذه الشبكة كانت تغطي المجالات الدينية والاجتماعية والتعليمية والصحية والترفيهية، الى جانب تقديم الدعم بكافة اشكاله لاسرائيل، وكانت هذه الشبكة تتولى ادارة العلاقات بين الجالية اليهودية، والاطراف الاخرى غير اليهودية داخل اميركا وخارجها.
ويقوم قادة المنظمات اليهودية بمحاولات قوية لجذب غير المنتمين من اليهود بشتى الطرق كالاقناع والضغط الاجتماعي والحض الديني.
في الوقت الذي يشكل فيه اليهود ٢٪ من عدد السكان في الولايات المتحدة الاميركية، الا ان القضاة اليهود يشكلون ٣٣٪ من عدد قضاة المحكمة العليا، ولهم ١٣ عضوا في مجلس الشيوخ، و ٣٠ عضوا في مجلس النواب.
ان هذه الاعداد لا تعكس حجم القوى اليهودية الضاغطة على الحكومة الاميركية، لانهم يفضلون الاختباء خلف شخصيات غير يهودية يحركونها من خلف ستار، لأنهم يتحاشون استفزاز الشعب الاميركي اذا تولوا عددا كبيرا من المناصب المهمة.
وان معظم السفارات الاجنبية في واشنطن بها اقسام للشؤون اليهودية تعمل على الاتصال بالقوى اليهودية طالبة مساعدتها في تسوية مشاكلها او تلبية طلباتها من الدوائر الاميركية، مقابل عوائد سياسية او اقتصادية او امنية تعود بالنفع على اسرائيل.
رغم النفوذ الهائل الذي تمارسه جماعات الضغط اليهودية على الحكومة الاميركية، فانها حذرة جدا من اثارة حساسية الشعب الاميركي، ولذلك تغلف عقله بستار كثيف من المواد الاعلامية التي تحجب عنه الحقائق، خاصة ما يتعلق منها بالسياسة الخارجية.
كما ان هناك ظاهرتين تثيران قلق اليهود في المجتمع الاميركي، كل منهما تعاكس الاخرى، الذين يحبون اليهود والذين يكرهونهم.
اما الظاهرة الأولى التي تثير قلق اليهود في المجتمع الاميركي، فيشير اليها الحاخام يتسحاق كوبر سميث قائلاً: «ان استيعابنا في المجتمع الاميركي يقضي على شعبنا اليهودي باسلوب اكثر خبثاً ودقة من صواريخ سكود والاسلحة النارية»، ويمضي الحاخام سميث محذراً: «ان هذا القاتل الهادىء يفكك نسيج الشعب اليهودي»، ويضيف قائلاً: «ان كل وسائل الاعلام تتنبأ باحتمال زوال اليهود من شمال اميركا».
اما آلان ديرشفتز المحاضر في مدرسة القانون في هارڤارد، فيقول: «ان اخطر التهديدات لا تأتينا اليوم من الذين يودون ابادتنا، ولكن التهديد يأتي من الذين لا يكنون لنا حقداً او بغضاً، من الذين يقتلوننا بعطفهم علينا، وباستيعابهم لنا، وبالتزاوج بنا، والاندماج فينا محبة واعجاباً».
ويشير الحاخام سميث الى نفس الخطر بقوله ان ٥٢٪ من الزيجات التي تمت كان احد الزوجين فقط يهودياً.
والظاهرة الثانية التي تثير قلق اليهود في المجتمع الاميركي تتمثل في الجماعات اليمينية المتطرفة التي تكره اليهود، ومن هذه الجامعات «الهوية المسيحية»، التي تشكلت في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية من مجموعة من الواعظين المسيحيين والكتاب، ولكن سرعان ما تلقفتها الحركات السياسية اليمينية المتطرفة التي تستحوذ عليها مشاعر الخوف من امتزاج الاجناس المختلفة بالعرق الآري الابيض، ومن المؤامرة اليهودية.
وكتب هوارد راند أحد مفكريهم محذراً من هذه المؤامرة بعد مرور سنة على قيام اسرائيل، ووصف الصهاينة بأن عملهم الاساسي هو ممارسة التضليل والخداع، وأنهم خدعوا المسيحيين البيض وأقاموا اسرائيل كمقدمة للاستيلاء على مقدرات العالم.
اما «الحزب النازي الاميركي» فقد تأسس على يد قائد سابق في الاسطول اسمه جورج لنكولن روكويل، وفي مقابلة صحفية مع الكاتب الاسود ألكس هيلي مؤلف كتاب «الجذور» قال روكويل: «سأحافظ على سيادة المسيحيين البيض على هذا البلد، وسوف أعمل على ابادة اليهود الشيوعيين وغيرهم من الخونة بالغاز ومن لا يعجبه هذا فليبحث له عن مكان آخر».
ان حركة النازية الجديدة في الولايات المتحدة اليوم مفتتة الى اكثر من عشرين منظمة نازية صغيرة، ومحاصرة من أجهزة الاعلام، وملاحقة من المنظمات الصهيونية.
– واليوم نريد ان نسأل بنيامين نتانياهو الى أين يريد ان يذهب باليهود؟.. وحتى بالاميركيين؟
ان بنيامين نتانياهو يتقن التضليل كما لا يتقنه أحد، فهو يسعى لاقناع الاميركيين بأن العرب لا يطالبون بحقهم في الاراضي المحتلة لأنها ليست لهم، وانما يحاربون اسرائيل لأنها جزء من الحضارة الغربية، وان اميركا هي المستهدفة بالارهاب العربي – الاسلامي لأنها قاعدة هذه الحضارة.
حقيقة الأمر، ان اسرائيل ليست هي المهددة بالزوال، ولكن القوى الصهيونية تدفع بالولايات المتحدة الاميركية من داخلها، بالسيطرة على السلطة التنفيذية (الرئيس)، والسلطة التشريعية (الكونغرس)، والسلطة القضائية (المحكمة العليا)، في بحر الكراهية العربية – الاسلامية حتى تفقد اميركا من تعتقد انهم اصدقاؤها من العرب والمسلمين، وتبدّد مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط لصالح قوى عالمية منافسة.
– والآن نصل الى السؤال:
من يتحّرر اولاً.. اميركا أم فلسطين؟.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.