Taming America

<--

عبد الزهرة الركابي

كان المراقبون والمحللون لأحداث الربيع العربي يتوجسون خيفة من الموقف الأمريكي الذي بدا للوهلة الأولى محايداً حيال هذه الأحداث التي طالت النظامين الحليفين في تونس ومصر، قبل أن تسلم واشنطن بالأمر الواقع وتشيح بوجهها عنهما، بيد أن تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بشأن التعامل والتعاون مع الإسلاميين قبل الانتخابات، جعل هؤلاء يبحثون عن أي دور أمريكي متخف في خضم هذه الأحداث .

ويبدو أن مثل هذا الدور بات يتضح رأس خيطه في مصر تحديداً، بعدما باتت السفارة الأمريكية في القاهرة، أحد اللاعبين الأساسيين .

والواقع ان الدور الأمريكي في تحركه لم يكن رمادياً كما تزعم وزيرة الخارجية كلنتون عندما قالت، “إننا نعمل في بعض الاحيان في المناطق الرمادية من الدبلوماسية والتي قد يفسرها البعض على غير محلها”، حيث إن مثل هذا الدور وبمساعدة محفزاته، يعمل على وضع خريطة أو صورة مستقبلية لمصر، تصل بعد عقد من الزمن إلى صورة تماثلية للحالة الباكستانية، وهذا ما يفسر الرهان الأمريكي على الإسلاميين، وهو الرهان الذي ينقسم إلى شقين: الأول التأقلم والتعايش معهم حسبما جاء في تصريحات كلنتون في مجالي التعامل والتعاون، والآخر ترويض الإسلاميين بغرض فهم واستيعاب المصالح الأمريكية، وهذا ما يُفسر الزيارة التي قام بها مرشح الرئاسة السابق، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور جون كيري، لجماعة (الإخوان) في زيارته الأخيرة لمصر كموقف أمريكي مؤيد لهذه الجماعة، وللتأكيد مرة أخرى على أن واشنطن باتت مهيأة للتعامل مع مصر تحت حكم يقوده (الإخوان) والإسلاميون عموماً” .

ومن نتائج ومعطيات هذا الترويض، هو قيام السلفيين بترويج مبكر لموقفهم التطبيعي مع الدولة الصهيونية، عندما قال يسري حماد رئيس حزب النور السلفي في حديث تلفازي لإذاعة الجيش “الإسرائيلي”، إنه يجب احترام المعاهدات التي ترتبط بها مصر، مؤكداً أن العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” تعتمد بشكل أساسي على مصلحة مصر والعالم العربي، وعلى هذا المنحى، أكد حماد أن حزبه سيحترم اتفاقية السلام الموقعة مع “إسرائيل” عام ،1979 مضيفاً نحن لا نعارض الاتفاقية، ولكن نحن نقول إن مصر ملتزمة بالمعاهدات التي وقعتها الحكومات السابقة .

ويأتي هذا الموقف السلفي، كاستجابة للترويض الأمريكي، وكرسالة للأمريكيين من أن الإسلاميين إذا ما تسلموا السلطة، سوف يستمرون على نهج النظام السابق في العلاقات مع الدولة الصهيونية، وربما يكون هذا الموقف أيضاً موافقة مسبقة على قانون المساعدات الخارجية الأمريكي الذي يشترط أن تقدم وزيرة الخارجية شهادة أمام لجان الاعتمادات في الكونغرس تؤكد أن الحكومة المصرية تفي بالتزاماتها تجاه معاهدة السلام بين مصر و”إسرائيل” .

وفي هذا السياق تعمل السفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون على تأسيس قاعدة انطلاق لمصر المستقبل وفق التجربة الباكستانية، بعدما نجحت هذه السفيرة في مرحلة الترويض الأولى للإسلاميين، من خلال الموقف التطبيعي المعلن للسلفيين، ولم يأت تكليف باترسون بهذه المهمة اعتباطاً فقد كانت سفيرة أمريكية في باكستان لسنوات عدة، وفي مرحلة شهدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ومن ثم غزو أفغانستان، وكانت باكستان في حينها تحت هيمنة القوى والتيارات الدينية، ويسودها التوتر والاضطراب، وفي ظل هذا الوضع كان لديها جيش مهم، وقد ساعد هذا العامل باترسون في ترويض هذه القوى .

والارتكاز الآخر للتحرك الأمريكي، يتمثل في القوى الإسلامية التي أبدت تقبلاً واستيعاباً للترويض وفهم المصالح الأمريكية، وبهذه الخريطة والصورة تكون مصر مستقبلاً على غرار الحالة الباكستانية، إذا ما سار المخطط الأمريكي في طريقه المرسوم، وإذا لم تقلب قوى الثورة الفعلية التي أشعلت فتيل ثورة 25 يناير الطاولة على هذه المخطط وعلى أصحابه، وتصرّ على تصويب المسار .

About this publication