اختارت لندن صادق خان رئيساً لبلديتها، بينما تواجه واشنطن احتمال فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة بعد أشهر قليلة.
من الصعب أن تكون اللوحة السياسية بين العاصمتين البريطانية والأميركية أكثر تناقضاً. الأولى تختار أحد أبناء المهاجرين الباكستانيين لاحتلال المقعد الثاني في البلد بعد رئيس الحكومة، مقعد يتيح له كرئيس لبلديتها التصرف بموازنة تتجاوز 20 بليون دولار في السنة، ويدير مدينة هي أكبر المدن الأوروبية وأكثرها تعدداً سكانياً وكثافة بشرية. فيما عاصمة الولايات المتحدة تغامر بوضع سمعتها ومستقبلها بين يدي أحد أشد العنصريين والانعزاليين والجهّال من بين سياسييها، إذا صح أن تطلق على ترامب صفة السياسي. تصوروا أنه حتى جورج بوش الابن، إضافة إلى والده وأخيه جيب محرجون أن يصوتوا لدونالد ترامب في الانتخابات المقبلة!
هل يمكن أن نستنتج من التناقض بين اختيار لندن أول رئيس مسلم لبلديتها، وأول رئيس بلدية مسلم في عاصمة غربية، وبين تبنّي الحزب الجمهوري ترشيح ترامب للرئاسة الأميركية، أن لندن هي عاصمة أكثر انفتاحاً وتسامحاً من زميلتها الأميركية؟
العبرة سوف تكون بنتيجة المعركة التي يخوضها ترامب وبمدى استعداد الأميركيين للقبول بهذا المستوى من الانحدار المريع. فمنذ الآن ترتفع أصوات داخل الحزب الجمهوري لإنقاذ الحزب وإنقاذ الولايات المتحدة من هذا المصير، حتى لو اضطر هؤلاء إلى دعوة مناصريهم للتصويت لهيلاري كلينتون. الصحافة الليبرالية الأميركية، ممثلة خصوصاً بصحيفتي «نيويورك تايمز» و»واشنطن بوست» تلتقي على معارضة ترامب، فيما مجلة «الإيكونوميست»، البريطانية، التي تعبر عن اليمين الليبرالي، اعتبرت أن فوزه بالرئاسة سوف يكون «كارثة» على الحزب الجمهوري، والأهم من ذلك على أميركا. بينما استغربت صحيفة «الدايلي تلغراف» الناطقة بلسان المحافظين في بريطانيا كيف أن الشعب الأميركي المتألق في مجالات البيزنس والعلوم والفنون وكل ما يرافق ذلك يمكن أن يكون سيىء الاختيار إلى هذه الدرجة عندما يتعلق الأمر بالسياسة.
هذه الأصوات اليمينية المعارضة لترامب تدعو إلى شيء من التفاؤل بأن أكثرية الأميركيين ستستيقظ قبل فوات الأوان إلى هذا المنزلق الخطر الذي لا يهدد أميركا وحدها، بل يهدد العلاقات الدولية والسلم العالمي.
مبعث التفاؤل أن معارضي صادق خان اعتمدوا حملة تخويف مماثلة ضده لكنها لم تنجح رغم أنها استخدمت أصوله الباكستانية وديانته المسلمة لإبعاد الناخبين عن التصويت له. غير أن حملة معارضي خان كانت أقل وقاحة من تلك التي يشنها دونالد ترامب والتي تهدف إلى بث الخوف بين الأميركيين من المسلمين والسود والمكسيكيين والصينيين والنساء… اتُهم صادق خان بالدفاع عن المجموعة الإرهابية التي ارتكبت الاعتداءات في لندن في تموز (يوليو) 2005. كما أثيرت في وجه حزب العمال الذي ينتمي إليه خان تهمة اللاسامية، على خلفية تصريح لرئيس بلدية لندن الأسبق كين ليفينغستون عن تعاون الحركة الصهيونية مع النازيين لحمل اليهود على الهجرة إلى فلسطين.
مع ذلك، لا تخويف اللندنيين من ارتباط صادق خان المزعوم بالإرهاب نجح، ولا الحملة التي خاضها قادة الطائفة اليهودية في بريطانيا، بدءاً من الحاخام افرايم ميرفيس، بهدف الضغط على زعيم حزب العمال جيريمي كوربين لـ «طرد» المتهمين بالعداء للسامية من صفوف الحزب. اختار الناخبون في العاصمة البريطانية التعقل واحترام قيم التسامح والتعدد الثقافي والديني والاجتماعي الذي صار ميزة لندن. وكما قال صادق خان بعد انتخابه، اختار اللندنيون الأمل بدل الخوف والوحدة بدل الانقسام، وأكدوا أن السياسات القائمة على الخوف لا مكان لها في العاصمة البريطانية.
في المقابل، وعلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، يؤمل أن ردود الفعل السلبية على احتمال وصول ترامب إلى الرئاسة، يمكن أن توقظ الأميركيين إلى أهمية العودة إلى أصول الحزب الجمهوري نفسه، وإلى القيم الأميركية القائمة على الحرية والمساواة وإتاحة الفرص العادلة، وهي قيم يمثل ترامب نقيضاً لها، على الصعيد الشخصي والسياسي.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.