صرح دونالد ترامب أن معاقبة المملكة العربية السعودية ـ لقتلها بتلك الطريقة الوحشية الصحافي جمال خاشقجي في مكان هو مبدئيا ملجأ لخدمة وحماية المواطنين السعوديين ـ يعني «المغامرة بخسارة مئة وعشرة مليارات دولار من مبيعات السلاح بالنسبة لبوينغ ولوكهيد مارتن…وكذلك خسران ثلاثمائة وأربعين مليار دولار في استثمارات أخرى» اتفق السعوديون على المبادرة إليها منذ وصول ترامب إلى الرئاسة.
وهنا يجب التذكير أن ترامب كان قد أكد في استجواب قصير مع جريدة «نيويورك تايمز» نشر يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر، على أن رد فعل أمريكا سيكون قاسيا جدا في حالة ما إذا تأكد ضلوع القيادة السعودية في جريمة قتل خاشقجي.
والآن يمكن أن نتساءل كيف يبقى الرئيس الأمريكي حتى يوم الناس هذا متشبثا بالتشكيك في دور القيادة السعودية في تصفية الصحافي متناسيا ما التزم به أمام الرأي العام من رد قوي على الجريمة، بعدما أكد تقرير رسمي لوكالة المخابرات الأمريكية دور محمد بن سلمان وعلمه تمام العلم بعملية الاغتيال التي حُضر لها بالرياض لتنفذ بأسطنبول؟ كيف يشكك ترامب من جديد في دور بن سلمان وها هو رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بوب كوركر، وهو قيادي بارز في الحزب الجمهوري، يؤكد أن الأمير محمد بن سلمان «أمر وراقب عملية قتل» الصحفي السعودي، مضيفا وذلك بعد استماعه لتقرير مديرة وكالة المخابرات الأمريكية: «إذا وقف (أي بن سلمان) أمام هيئة محلفين فسيتم إدانته بالقتل في 30 دقيقة». أما السيناتور الديمقراطي ديك دوربين فيومئ في تصريح له، بعد مشاركته في نفس جلسة الاستماع، إلى ضرورة أن يضغط مجلس الشيوخ ككل على البيت الأبيض ليقف موقفا أقل لا أخلاقية من الموقف الحالي. يقول دوربين إن استماعه لجينا هاسبيل لم يفعل إلا أن أكد اقتناعه أن بن سلمان «مسؤول بشكل مباشر أو على الأقل متورط» في اغتيال جمال خاشقجي وأضاف ان هناك ضرورة لأن يستمع كل مجلس الشيوخ وليس فقط بعض أعضائه لمديرة وكالة المخابرات
يبدو لنا اليوم بوضوح أن ترامب اهتم وتابع قضية خاشقجي وقام بتصريحات نارية حولها لسبب وحيد وهو استغلالها لإرهاب بن سلمان وللضغط على النظام السعودي ككل لابتزازه بأكبر قدر ممكن حتى تتحول الوعود الموقعة بالشراء والاستثمار بمئات المليارات إلى عقود حقيقية وبالمعنى القانوني الكامل أي أن تصبح قابلة للتنفيذ مباشرة. إن عقلية الكاوبوي الذي مهنته قتل العدو لا يمكن أن يُصدم لما يقتل العدو عدوه وخصوصا إذا كان القاتل صديقا أو حليفا. وهذا ليس تخمينا أو محاولة لسبر أغوار نفسية ترامب، بل إننا فقط نستند إلى ما قاله الرئيس من أن خاشقجي عضو في جماعة الإخوان المسلمين أو أنه عدو للدولة وكأنه يحاول إيجاد تبرير لقتل الرجل.
يجب أن نتذكر كذلك ما صرح به الرئيس الأمريكي مباشرة قبل انفجار قضية الصحافي من أن آل سعود لن يستمروا في الحكم لأكثر من أسبوعين دون دعم أمريكي وأن عليهم أن يدفعوا ثمن ذلك. كما يجب أن نذكر بتصريحه، بعد اختفاء خاشقجي، والذي مؤداه أن وجود النظام السعودي في صالح إسرائيل. إذن، الدعم الأمريكي للرياض هدفه الأول هو تحصيل أكبر قدر ممكن من المال السائب والسهل السعودي وهو ثانيا حماية الدولة العبرية الحليف الأقوى لأمريكا بمنطقة الشرق الأوسط.
هكذا خفضت السعودية أثمان النفط بأمر من ترامب رغم حاجتها الماسة للمال في حربها في اليمن وكذلك لشراء السلم الاجتماعي إذ هي تعيش أزمة داخلية خانقة.
إن ترامب يعلم علم اليقين أن أي حكم ديمقراطي بالمنطقة سيوظف، ضرورة، الأموال المحصلة من البترول أو غيره في صالح الشعب الذي ينتخبه وليس لمن يحميه بواشنطن. ولهذا فإن الرئيس الأمريكي ومنذ انتخابه، يجعل من الخصوم العرب لحكام المنطقة خصوما له. كما تعلم إدارة ترامب أن أي حكومة عربية منتخبة حقيقة من طرف الساكنة لا يمكنها إلا أن تدعم الحق الفلسطيني في مقاومة اغتصاب الأرض والكرامة. وهكذا فإن مبعوث ترامب الخاص لمنطقة الشرق الأوسط جيسون غرينبلات الذي طلب من عدة دول عربية دعم المشروع الأمريكي لإدانة المقاومة الفلسطينية كحركة إرهابية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أقول استثنى غرينبلات من دعوته تونس ولبنان أي الدولتين العربيتين الديمقراطيتين الوحيدتين. لماذا؟ لأن الإدارة الأمريكية تعلم بكل بساطة أنهما ـ رغم تواضع حجمهما ـ لن تستطيعا مجاراته والتصويت معه ضدا على إرادة شعبيهما. ولهذا فليعلم الجميع بمنطقتنا أن الحماية الوحيدة لدول المنطقة من الابتزاز الخارجي هي الديمقراطية وإذن دعم الشعوب للحكومات التي تنتخبها. فهذه أبجدية العقد الاجتماعي الديمقراطي أنى وجد.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.