France and the United States Compete for North Africa

 

 

 

<--

تتحرّك المنطقة المغاربية في سياقٍ جديدٍ مختلف تماماً عن سياق الربيع العربي الذي دشّنته تونس. في مناخ جيوسياسي جديد عنوانه الصراع الإقتصادي الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وتنامي دور المؤسّسات العسكرية في الواقع السياسي العربي. مشروع “إزدهار إفريقيا” الذي أعلن عنه جون بولتون في مواجهة الصين وروسيا خلَّف نتائج عكسية على الخارطة التقليدية لمناطق النفوذ الغربية الموروثة عن الإستعمار، بمقابل ذلك يتصاعد الدور الجيوستراتيجي لروسيا والصين في المنطقة التي كانت إلى عهدٍ قريبٍ مرتبطة بمناطق النفوذ التي اختطّتها الدول المستعمرة قبل الإستقلال.

فرنسا والولايات المتحدة التنافُس على المنطقة المغاربية

ظلّت العلاقات الفرنسية الأميركية قوية ومستقرّة تاريخياً منذ مشروع مارشال، إلا أن منطق السياسة الخارجية الجديد للعمّ السام في عهد ترامب المتأسّس على شعار “أميركا أولاً” قد يُهدّد الهيمنة الفرنسية على العالم الإفريقي الفرنكفوني.
تدعم فرنسا اليوم إستراتيجية الإستقلال الأمني والعسكري الأوروبي بدعوتها لتأسيس جيش أوروبي موازٍ لحلف الناتو الذي راهنت عليه الولايات المتحدة طويلاً في بناء المشروع الغربي منذ الحرب الباردة. ورغم رمزية إتفاقية الصداقة الفرنسية الألمانية الأخيرة، إلا أنها تعبِّر عن مطامح فرنسية أعلنها ماكرون صراحة أمام الإتحاد الأوروبي حين قال: “يجب أن نحمي أنفسنا من الصين وروسيا، بل حتى من الولايات المتحدة نفسها” في خطابه الداعي لتحويل حلم الجيش الأوروبي إلى حقيقة.
ليبيا بين إيطاليا وفرنسا:
في الوقت الذي تبحث فيه قوات حفتر عن تأسيس شرعية عسكرية مُريحة لمصر أمنياً ومفيدة للخليجيين إقتصادياً وسياسياً، ورغم “الثمن السياسي” لزيارة النظام المصري الموسوم أوروبياً بخرق حقوق الإنسان، لم يجد الفرنسيون والإيطاليون غضاضة في زيارة السيسي في تنافس واضح على الكعكة الليبية، التي سبّبت مُشادّات كلامية بين أحفاد بونابرت وغراتسياني. فرنسا تبحث عن خيارات جديدة في الوضع الإفريقي الجديد المتغيّر والذي تبدو فيه مهدّدة أكثر من أيّ وقت مضى بعد إعلان ترامب عن توجّهه نحو إفريقيا كسوق تجاري واعِد وكمصدر مباشر للمواد الخام وسط تنافُس شديد مع الصينيين والروس.
الوضع الجزائري وتأثيره على المنطقة:
في حراك الجزائر تبدو فرنسا لاعباً بين لاعبين متعدّدين، فالقايد صالح زار الإمارات، والشارع الجزائري يبدو غير راض كثيراً عن الدور الفرنسي، الذي عبّرت تصريحات ماكرون فيه عن قلق حقيقي من المزاج الجزائري العام تجاه المستعمر القديم، الذي لازالت صورته في الوعي السياسي مرتبطة بوحشية المقابر الجماعية التي تطالب الدولة فيها بإعتذار رسمي من “دولة الحريات”.
مجلس العلاقات الخارجية الأميركية أصبح يدعو صنّاع القرار الأميركيين إلى إعادة قراءة الوضع الجزائري وتأثيره على شمال إفريقيا، وتأثيرات إستقالة عبد العزيز بوتفليقة على الوضع المتأزّم في ليبيا ومالي والسودان وعلى مشروع المغرب الإقتصادي في إفريقيا. 
وفي ورقة تحذيرية لنفس المجلس، يشدّد الخبراء الإستراتيجيون على المخاطر الكبيرة التي قد تنجم عن عدم الإستقرار في الجزائر خصوصاً في ما يخصّ الحرب على الإرهاب، والهجرة نحو أوروبا، واضطرابات أسواق النفط العالمية، مما يحتّم على الأميركيين أن يتدخلوا بشكل غير مباشر في الشأن الجزائري نظراً لحساسية موضوع “السيادة الوطنية” من خلال دعم جهود الأطراف الأوروبية والجيران الأفارقة وتشجيع العملية الديمقراطية الإنتخابية .
الوجود العسكري الفرنسي لا زال قوياً في إفريقيا حيث يعيش 100 مليون ناطق باللغة الفرنسية، وحيث ترتبط دول عديدة باتفاقيات إقتصادية وعسكرية مهمة مع شركات الأسلحة والنفط والغاز، لكن التحوّلات الجديدة التي تعرفها القارّة قد تؤدّي إلى تقليص هذا الدور تجاه فاعلين جُدُد، كالولايات المتحدة و الصين وروسيا وتركيا ، بل حتى دول الخليج التي تنقاد أو تُقاد إلى لعب دور محوري في التغيّرات السياسية الجديدة في دول شمال إفريقيا. 
وكما كانت حرب الإستقلال الجزائرية عاملاً حاسماً في تحوّل وضع فرنسا الداخلي بعد الحرب العالمية الثانية، يبدو أن مستقبل الجزائر القريب قد يُسهم إلى حدٍ كبيرٍ في تحديد الوضع الجديد للدول الغربية في المنطقة المغاربية وفي عموم إفريقيا.

About this publication