Bush Says in Iraq, Everything's All Right …

<--

محمد السمَّاك

كل شيء على ما يرام في العراق. هكذا يقول الرئيس الأميركي جورج بوش. فالبلاد على قاب قوسين أو أدنى من حرب أهلية مذهبية لا تبقي ولا تذر. مع ذلك فإن كل شيء على ما يرام.

انتهاكات حقوق الانسان خرجت من سجن أبو غريب لتصل الى بيوت الناس من البصرة جنوباً حيث القوات البريطانية، الى الموصل شمالاً حيث القوات الأميركية، مع ذلك فإن كل شيء على ما يرام.

تجاوز عدد الضحايا العراقيين منذ بداية الاجتياح حتى اليوم المائة ألف قتيل. وكل يوم تسقط خمسون ضحية جديدة، ومع ذلك فإن كل شيء على ما يرام. أما الضحايا من العلماء ومن الأساتذة الجامعيين فقد بلغ عددهم 160 عالماً. وأما مراكز البحث العلمي فقد تحولت الى أثر بعد عين… ومع ذلك فإن كل شيء على ما يرام.

الدولة العراقية أو ما تبقى منها لا تقوم إلا شكلاً. فقد تحولت الى دويلات مذهبية وعنصرية، كل منها يتربص شراً بالآخر. ومع ذلك فإن كل شيء على ما يرام. العراقيون لا يفتقدون الأمن فقط، ولكنهم يفتقدون الكهرباء، والمياه الصالحة للشرب، ويقفون بمذلة أمام محطات الوقود مع أن بلادهم هي من أغنى بلاد الدنيا بالنفط، ومع ذلك فإن كل شيء على ما يرام.

في العهد السابق لم يكن شيء على ما يرام في العراق. كان العراق يملك أسلحة دمار شامل. وكان يعمل على انتاج سلاح نووي. وكان يهدد بذلك أمن الولايات المتحدة وحلفائها. وكان على تواصل مع تنظيم القاعدة الارهابي، وكان يقدم لها العون والمساعدة، ولذلك كان لا بد من الاجهاز عليه… حتى يصبح كل شيء على ما يرام.

غير أن عراق العهد السابق لم يكن يملك لا أسلحة دمار شامل ولا مفاعل لانتاج سلاح نووي… وبالتالي لم يكن يهدد لا أمن الولايات المتحدة ولا أمن حلفائها. كل جريمته أن نظامه تفلت من معاقبة الشعب العراقي نفسه الذي عانى من جرائمه ما لا يطاق. وكان نظاماً استبدادياً استباح حرمات الناس وأرواحهم. وقد جاءت قوات الاحتلال الأميركية لتوظف هذه المعاناة لمصلحتها ولتتخذ منها مبرراً لارتكاب أفظع جريمة في تاريخ العراق الحديث.

صحيح أن النظام السيء قد سقط. ولكن الصحيح أيضاً أنه قام على أنقاضه نظام الاحتلال الأسوأ. ومع ذلك فإن كل شيء على ما يرام.

هناك أرقام احصائية تؤكد صحة ما قاله الرئيس بوش بفم ملآن.

تقول هذه الاحصائية التي نشرتها صحيفة “يو. أس. توداي” (أي الولايات المتحدة اليوم) أن عدد الهجمات الجوية التي تقوم بها الطائرات الحربية يومياً ضد أهداف لها في العراق ارتفع في أول شهرين فقط من العام من 11 هجمة في عام 2004 الى 14 هجمة في عام 2005 الى 30 هجمة في العام الجاري 2006. ومع ذلك فإن كل شيء على ما يرام.

لقد دمرت القوات الأميركية مدينة الفلوجة، وأعلنت من هناك القضاء على المقاومة العراقية. ولكن منذ ذلك الاعلان تحولت الفلوجة الى مصيدة للقوات الأميركية حيث سقط فيها العشرات من عناصرها. ومع ذلك فإن كل شيء على ما يرام.

حتى في الولايات المتحدة نفسها هبطت شعبية الرئيس بوش الى أدنى مستوى لها منذ اعتلائه المسؤولية. بل ان شعبيته بلغت أدنى مستويات لأي رئيس أميركي سابق، إذ وصلت الى 35 بالمائة فقط، أي أن 65 بالمائة من الشعب الأميركي يعارضون سياسته في العراق ويعتبرون الحرب غير مبررة وأنها جاءت بنتائج كارثية على سمعة الولايات المتحدة وعلى مصالحها في آن. ومع ذلك فإن كل شيء على ما يرام.

المحافظون الجدد الذين خططوا للحرب (حتى قبل وقوع جريمة 11/9/2001 في نيويورك وواشنطن) وزينوا للرئيس بوش سوء عمله بتبني هذه الحرب، انقسموا على أنفسهم، وبدأوا يتراشقون التهم بعد أن أدركوا حجم الكارثة التي حلت ليس بالعراق وحده، بل بالولايات المتحدة عامة، وبالحزب الجمهوري الحاكم خاصة. ومع ذلك فإن كل شيء على ما يرام.

المستفيد الوحيد من كل هذه المآسي في العراق وامتداداً في العالم العربي، هو المشروع الاسرائيلي الذي يستهدف هذا العالم بالتمزيق والتفتيت الديني والمذهبي والعنصري. هنا فقط يبدو فعلاً أن كل شيء على ما يرام.

فهل هذا هو ما يقصده الرئيس جورج بوش؟!.

About this publication