محمد السمَّاك
سؤال: هل كانت الولايات المتحدة جادة عندما دعت إيران الى التباحث معها بشأن مستقبل الوضع في العراق؟
سؤال ثان: هل تسرّعت إيران في الرد بالايجاب على الدعوة الأميركية؟
سؤال ثالث: هل كان من الحكمة أن تبدي دول عربية قلقاً من الدعوة الأميركية ومن التجاوب الايراني معها؟
تتداخل الأجوبة عن هذه الأسئلة حتى تكاد تكوّن جواباً واحداً.
فالولايات المتحدة تحمّل إيران جزءاً كبيراً من مسؤولية الاضطرابات الدموية التي اتخذت طابع الانقسام المذهبي. وبالتالي فإن دعوتها الى التباحث تنطلق من هذا الدور الذي لا تعرف القوات الأميركية المحتلة في العراق كيف تتعامل معه، ولا هي قادرة على توظيفه أو احتوائه.
أما إيران التي تنفي جملة وتفصيلاً هذا الدور، فإنها معنية مباشرة بما يحدث في العراق، ليس من الناحية المذهبية فقط، إنما من الناحية الأمنية الوطنية. ذلك أن تداخل الحدود والشعوب وتشابك العلاقات والمصالح يجعل العراق في ضوء ما يحدث فيه (منذ عهد صدام حسين وبعده وفي عهد الاحتلال الأميركي خاصة)، في مقدمة الاهتمامات والمشاغل الايرانية.
من أجل ذلك فإن التجاوب مع الدعوة الأميركية لا يعني بالضرورة إقراراً إيرانياً بتهمة التحريض على الفتنة المذهبية في العراق. بقدر ما يعني الاستعداد لفتح ملف مباحثات أميركية ـ إيرانية يكون العراق مجرد مادة على جدول الأعمال.
فالمشكلة الايرانية ـ الأميركية ليست محصورة بالعراق وحده، لكنها مشكلة متعددة الجوانب، فهناك الملف النووي، وهناك ملف الدور الايراني في أفغانستان التي تحدها من الشرق، وهناك ملف التطلعات الايرانية في الخليج، من مضيق هرمز حتى الجزر الثلاث التي تطالب دولة الامارات العربية باستعادتها، وهناك ملف النفط الذي تحاول واشنطن أن تصادره وتهيمن عليه. وهناك ملف التحالف الايراني ـ السوري الذي يشكل كماشة أمنية ـ سياسية حول العراق، ثم هناك ملف العلاقة المميزة والخاصة جداً بين إيران وحزب الله في لبنان.
كانت الولايات المتحدة تعتبر إيران دولة “مارقة”، وكانت تطالب بعزلها ومقاطعتها وإدانة سلوكها أمام مجلس الأمن الدولي. وفجأة انفتحت عليها ودعتها الى التباحث، ولذلك ما كان لإيران أن تضيع هذه الفرصة وأن ترفض الدعوة، ذلك أن “عقلية نسج السجاد” تغرس ثقافة النَفَس الطويل والصبر وطول الأناة وتجنب عادة المطالبة بالشيء قبل أوانه. ففي لعبة عض الأصابع بين طهران وواشنطن تألمت إيران أكثر، ولكن الولايات المتحدة هي التي تأوهت أولاً. ليست هذه هي المرة الأولى التي تنتهي فيها لعبة عض الأصابع لمصلحة إيران. حدث ذلك مراراً بعد سقوط الشاه وقيام سلطة اسلامية. ولعل أبرز تلك المرات، تمثلت في قضية إيران ـ كونترا الشهيرة التي وقعت في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان.
وبالمناسبة فإن الرئيس جورج بوش يعتبر ريغان مثله الأعلى. وها هو يقلد هذا المثل الأعلى بإدانة إيران علناً… والتباحث معها تحت الطاولة وفوقها!
إن من السذاجة الاعتقاد بأن الدول العربية وخاصة تلك التي تحيط بالعراق (السعودية والكويت والأردن وسوريا) سوف تتقبل المباحثات الايرانية ـ الأميركية قبولاً حسناً، وفي الوقت نفسه فإن من السذاجة عدم الاعتقاد بأن للولايات المتحدة مصلحة في تأليب الدول العربية، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران وتطلعاتها في المنطقة وانطلاقاً من العراق.
فالمخاوف العربية من أي استفراد أميركي ـ إيراني بتقرير أوضاع العراق ومستقبله، معطوفة على التخويف الأميركي من إمكانات إيران النووية، ووسط هذا التعكير المتعمد للمياه المذهبية ومحاولات الصيد فيها، تبدو لعبة الأمم في المنطقة قد دخلت مرحلة من أسوأ مراحلها.
من هنا أهمية الحوار العربي ـ الايراني المرتكز على قواعد وحدة اسلامية سنية ـ شيعية، إضافة الى المصالح الاستراتيجية المشتركة.
إذ كيف يعقل أن يكون هناك حوار عربي ـ أميركي، وإيراني ـ أميركي، ولا يكون هناك حوار عربي ـ إيراني؟
إن القمة العربية التي تبدأ غداً في الخرطوم مدعوة الى أن تولي هذه القضية ما تستحقه من اهتمام. فالتفاهم العربي ـ الايراني أساسي لمواجهة ما تشكله اسرائيل في وجودها وفي تطلعاتها من تحد. فهي وحدها المستفيد من تعطيل هذا التفاهم.
ومن لايرى الأصابع الاسرائيلية في التفجيرات المذهبية في العراق يكون كمن يغمض عينيه لينكر ضوء الشمس.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.