Palestinians and the Extermination of the Red Indian

<--

يوسف يوسف

كاتب من العراق


منير العكش واحد من بين القلائل الذين وضعوا خطاب أوائل البيوريتانز الذين أنشأوا ما صارت تعرف بالولايات المتحدة الأمريكية ، تحت عدسة مكبر، فوق منضدة التشريح. فعل ذلك في دراسة تحمل عنوان” الجلاد المقدس”، وفي سواها العديد من الدراسات التي لسنا بصددها الآن. ومما يلفت الانتباه في دراسته- مشروعه المعرفي، أنه في نصّ- نصوص الإدانة التي يكتبها ، لا يستسلم لرغبة الجلاد بإقصاء الضحية عن مسرح الجريمة، وإنما نجده يستدعيها من أجل تقديم شهادتها التي لا يستطيع أحد نفيها، حتي لو امتلك مثل الطاقة التي تمتلكها البروبوغندا الأمريكية التي تظل قوية ومؤثرة. 
لقد اعتدنا في حالة دراسة حياة الهنود الحمر، أن نري القويّ وحوله الجوقة التي تصفق له. إلا أنّ العكش في دراساته ابتعد عن المألوف، وانضمّ إلي الطرف الضعيف، من أجل الانتصار له في معركة إثبات الوجود، التي مضي علي اندلاعها ما يزيد علي الثلاثمئة عام. بمعني آخر ، فقد استحضر الهندي الأحمر، المنفيّ دوما، وجعله يدلي بشهادته، قبل إصدار الحكم الذي سيسقط به أقنعة السفلة، من الذين حاولوا طمس تاريخ بأكمله، وكتابة تاريخ آخر، غير صادق لقارة احتلها الغزاة بقوّة الحديد والنار. والعكش في هذا كله، لا يستنطق الضحية علي وفق ما هو مألوف في المحاكم، وذلك لأنّ القضية أكبر من عملية السطو التي يقوم بها لصّ، ينال عقابه في نهاية المحاكمة. إنه يضعنا كقراء ، أمام تراكمات لا حصر لها من الجرائم المتواصلة التي كان لها ولا يزال مسرودها الخاص، وكذلك خطابها المتنوّع الأشكال. 
لقد أراد العكش تقديم نصّ يدين نصّ المستعمر الذي ظلّ هو الأقوي طوال عشرات العقود. وفي نصّ الإدانة هذا، كان عليه أولا وقبل أي شيء، أن يثبت كذب نصّ المستعمر، كما كان عليه أن ينزع عن السارد البيوريتاني ثياب الحشمة الكاذبة، التي حاول أن يخفي تحتها قصص آلاف الخطايا التي ارتكبها منذ وضع قدميه في قارة أمريكا التي شهدت واحدة من أكبر مجازر النفي والإثبات في التاريخ البشري، وحيث ظهرت لوحة الحرب التي يتوسطها الجنرال فيليب شيريدان صارخا: الهندي الصالح الوحيد، هو الهندي الميت. 
لقد كان البيوريتانز منذ البداية ، يفكرون بأرض تخلو ممن أسماهم كولمبوس زورا الهنود الحمر، ينزلون فيها من سفنهم، وتكتمل الدولة، تماما مثلما فكر الإسرائيليون الأوائل، ومن بعدهم اليهود المعاصرون ، بفلسطين بلا كنعانيين. إنها بعض أوجه الشبه بين مخيّلتين. ومن أجل أن يثبت البيوريتاني وجوده، وأحقّيته بامتلاك الأرض، كان عليه أن يكتب سردا ينفي من خلاله وجود الهندي، حتي لو اقتضي الأمر ، قيامه بآلاف المجازر، بما فيها تلك التي يغتال فيها التاريخ. 
هذا يضعنا أمام الرسالة التي كتبها (مايك هولي إيغل) ، الهندي الأحمر، إلي صديقه منير، والتي منها هذا المقطع المثير للانتباه: تاريخنا مكتوب بالحبر الأبيض. إنّ أوّل ما يفعله المنتصر، هو محو تاريخ المهزوم، ويا الله ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض. هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها ، وسيواجهها الفلسطينيون، إنّ جلادنا المقدس واحد. 
ونظن أنّ ما يثير الانتباه واضح، وأنّ مايك في رسالته الطويلة يضع النقاط بشكل جلي فوق الحروف، وبين كيفيّة محو التاريخ، وإحلال تاريخ آخر مكانه، وعلي غرار ما حدث لتاريخ فلسطين. بهذا المعني يكون الهنود الحمر قد أمضوا قرونا عديدة في معصرة غضب الربّ، الذي اختار شعبه من البيوريتانز في هذه المرة ، بعد أن كان قد اختاره من اليهود في المرة الاولي، وهي كما يجمع الباحثون ، المعصرة نفسها التي أعدّها الربّ نفسه أيضا ، لهؤلاء الذين تسميهم السرديات الإسرائيلية أبناء المدنيات الملعونة، الذين يقطنون بين النيل والفرات. لقد كنت أظن، شأني في هذا الظن مثل منير العكش، أنّ رسالة الزعيم الهندي سياتل قبل مئتي عام إلي رئيس الولايات المتحدة آنذاك، كانت صحيحة ، وإن كنت قد تساءلت كثيرا حول صحتها، إلي أن قرأت رسالة إيغل التي أيقظتني من غفوة طويلة،مثلما أيقظت العكش. 
إنّ ما توصّل إليه العكش من انعدام العفة في خطاب البيوريتانز وفي أجناسه المختلفة، يفرض علينا إعادة النظر إلي الكثير من سردياتهم ، ووضعها تحت عدسة مكبرة فوق منضدة التشريح، للوصول إلي ما في مخيلة هذا الخطاب الذي يحاول مسخ الكائنات البشرية الأخري من غير البيوريتانز، التي توصف تارة بالمخلوقات الشيطانية، وأخري بالتخلف، وثالثة بالمتوحشة. وهكذا بحسب ما يتوصل إليه العكش (عندما كان الهنود الأبرياء ضحايا مسالمين، وضعفاء مقهورين مسلوبين منهوبين مهانين تقتات كلاب المستعمرين من لحم أطفالهم، كان الأدب الاستعماري يصوّرهم وحوشا يهددون حضارة العالم، وكائنات علي شكل السعالي والغيلان الشيطانية تفترس الأطفال وتغتصب الأبكار وتسمم حياة المستعمرين الأبرياء). 
علينا من أجل الظفر براحة الضمير، وضع الضحية في كفّة ميزان العدالة، وفي الكفة الأخري نضع الجلاد الذي عبر مياه المحيط، من أجل إقامة دولة فوق أشلاء ضحاياه، من الهنود الحمر. لا بدّ ونحن نمضي في هذا الاتجاه، أن نبحث عن منهج يختلف عن المألوف من مناهج القضاة. وبتعبير آخر يفسر ما سبق، علينا الابتعاد عن المألوف من القول، والتشبث بالموقف النظيف الذي لا يغويه بريق المال الذي يسعي الكثيرون إليه. 
بغير ذلك، فإنّ إعادة النظر، لن تحقق غاياتها المرجوة، وستظل الأكذوبة هي نفسها، والجلاد سادر في ظلمه، بدون أيّ تغيير، في السرد المخاتل الذي يتخفي ور

About this publication