When Fear Consumes the Mighty

<--

في الموضوع

القوي الخائف

تصبح هناك قضية خطيرة ، عندما يعاني القوي من عدم الاحساس بالأمن ، ويشعر ـ فى احساسه المفرط بالقوة ـ انه عاجز عن حماية نفسه ، ويدفعه هذا الاحساس المتناقض بالتهديد مع القوة ، الى توزيع ضرباته على كل من يقترب منه ، فى حالة من التخبط الاعمى ، يزيد من عداء الآخرين له، ويترتب عليه تصعيد مخاطر التهديد له. غير انه في كثير من الاحيان ، يستخدم قوى مزاعم الاحساس بالتهديد ، لكي يعزز قبضته على غيره ، تنفيذاً لمخطط رسمه هو ، يهدف من خلاله الى تغيير بنية العلاقات والسيطرة عليهم.

في هذا الاطار يمكن النظر الى ممارسات سياسة ادارة الرئيس جـورج بوش داخل الولايات المتحدة الاميركية ، بـعد أن اصابتها صدمة أحداث 11 سبتمبر 2001 . فالساحة الاميركية تشهد حاليا حالة قلق لدى جماعات حقوق الانسان ، من أن الادارة تستخدم الاحساس بالتهديد لتغير قواعد العقد الاجتماعي بين الشعب و الحكومة ، لكي تحد من هامش الحريات العامة و المقبول ، و تفرض سيطرة القلة ـ وهي النخبة الحاكمة ـ على الناس ، في هجمة تراجعية على المناخ الديمقراطي.وفي ظروف الاستخدام الحكومي للاطار القانوني ضد الديمقراطية ، تلجأ الكثير من الحركات السياسية الى العمل السري ، وتتحول من الممارسة الديمقراطية الى تبني العنف، فتزداد احتمالات التطرف والتخريب في المجتمع ، و تستفيد من ذلك الحكومات التي تتبع هذا النهج ، في تبرير اجراءاتها القمعية بحجة توفير الامن ، رغم انها هي التي توجد التهديد الذي تواجهه. وتحول احساسها الوهمي بعدم الأمن الى تهديد فعلي ، وينتهي الأمر الى شق وحدة المجتمع.

ولعل اوضح الامثلة على ذلك ، هو ما يجري في الولايات المتحدة الاميركية حالياً ـ كذلك في دول غربية اخرى ـ من حديث عن تزايد احتمالات الخطر الارهابي الداخلي ، وتوجيه الاتهام بشكل محدد الى عناصر اسلامية ، يجري الترويج لعلاقات بينها و بين تنظيم “القاعدة “. كانت آخر حلقات هذه العملية ، إلقاء القبض على مجموعة “اسلامية ” من سبعة أشـخاص في مدينة “شيكاغو” بولاية ايلينوي ، و توجيه اتهامات تتضمن التدبير لعمليات إرهابية ، من بينها تفجير برج”سيرس ” التجاري السكني الكبير ، في تصور نمطي لما جرى في حالة تدمير برجي مركز التجارة العالمي، مع فارق أن تلك العملية تتضمن وضع متفجرات ، بدلا من استخدام طائرات محملة بالوقود، على النحو الذي حدث عام 2001 .

القضية هنا ، أن جماعات حقوق الانسان ـ التي تعاني من صعوبات كبيرة في إسماع صوتها للرأي العام ، حتى استفادت من نظام الانترنت باعتباره جهاز إعلام بديل ـ تقول ان الادارة الاميركية التي أفرطت في إصدار قوانين مقيدة للحريات ، وغالت في فرض إجراءات لتنفيذها ، تعمل من اجل استمرار الاحساس بالتهديد ،لإحداث التغيير المطلوب في قواعد العقد الاجتــماعي بطريقة عملية ، و تمـكن جماعات صاحبة النفوذ في المجتمع من الهيمنة الكاملة عليه ، لتكـريس مصالحها ، و استخـدام الآخرين وقـوداً في الصراع الذي اوجدته هي لتبرير ما يجري .وفي ضـوء خطأ الخطاب الاعلامي الاسلامي ، و انخفاض مستوى الوعي لدى كثيرين بحقائق الامور، وكذلك بأساليب العمل في المجتمعات الغربية المفتوحة، فإنه يسهل المناورة لتجريمهم واعتقالهم و توجيه الاتهامات اليهم ، ثم محاكمتهم و ادانتهم .

تطرح هذه الجماعات ايضا تساؤلات مخيفة ، حول عملية تآمرية من جانب القوى الغالبة في الادارة الاميركية ،لتدبير عملية تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك .فمن ناحية كشفت تحقيقات أنه يوم 11 سبتمبر عام 2001 ، كان محدداً لاجراء تجارب و مناورات على حماية المنشآت الاستراتيجية الاميركية من التفجير ، باستخدام طائرات محملة بالوقود.وعندما رصدت اجهزة الاتصالات عمليات خطف الطائرات ، و توجيهها نحو منشآت من هذا النوع ، اتجه الرأي الى أن ذلك جزء من المناورات الجارية ، و لم تتحرك المؤسسة العسكرية لوقف ما يجري ، وتواصلت الاحداث حتى وقعت الكارثة، وليس هنـاك ما يفيد أن منفذي الهـجوم بالطائرات – “الاصـولية” و الايديولوجـية – يعرفون بوجود مناورات من هذا النوع، و يعملون للاستفادة من هذه الفرصة لتنفيذ عملياتهم .

ومن ناحية اخرى ،تؤكد هذه الجماعات أن انهيار برجي مركز التجارة العالمي، لا يمكن ان يحدث نتيجة اصطدام الطائرات به، لأن انصهار الحديد الصلب الذي قامت عليه دعائم المبنى الرئيسي ، يحتاج الى درجات حرارة عالية ، لتحقيق الانهيار في تلك الفترة الوجيزة، بهذه الطريقة الكاملة .ولذلك تؤكد هذه الجماعات مزاعم خطيرة بشأن وضع متفجرات اضافية في نقاط استراتيجية من دعائم المبنى ، و تفجيرها في تزامن مع اصطدام الطائرات بالبرجين، في وقت لاحق بحيث يمكن تصور ذلك على انه نتيجة منطقية للاصطدام الاصلي، مما أحدث الانهيار في المبنى بهذه الصورة. وفي هذا السياق، ترصد هذه الجماعات ايضا، عدم ذهاب العديد من اليهود الى عملهم في برجي مركز التجارة العالمي يوم الانفجار ، لكنها لا تعطيه اهمية كبيرة ، لأنها ترى أن ذلك استغراقا في النظرية التآمرية ، يضعف الحجة الاساسية في بحث الموقف ، و يعود عليها بالاتهام بالتحامل .

ما جرى يوم 11 سبتمبر كان ـ حتى حدوثه ـ لا يمكن تصوره إلا في اطار الخيال، و لم يكن متصورا إلا في الافلام التي تنتجها استوديوهات سينما”هوليوود” . لكن كثيرين يرون أن الخيال الروائي للكثير من الاعمال السينمائية ، يوفر ارضا خصـبة امام رجال التخطيط الاستراتيجي ، لوضع سيناريوهات تنفيذ مخططاتهم ، لفرض ارادتهم على الاخرين. النقطة المهمة ، هي أن خلايا مجموعات ” المحافظين الجدد” و ” المسيحيين الصهاينة” ـ ومن ينحون نحوهم ـ تسيطر الان على توجيه سياسات الادارة الاميركية ، في اطار ما يسمونه ” القرن الاميركي الجديد” ، الذين يهدفون فيه الى الهيمنة على العالم ، و استهداف عدو جديد ـ رأوا انه يمكن ان يكون ” الاسلام” ـ بعد انهيار الشيوعية ، و نجحوا في ايجاده على النحو الذي يريدون ، كما نجحوا في تكريس الاحساس بعدم الامن ، و من ثم بدء ضربات التخبط الاعمى.

عبد الله حمودة

About this publication