Lebanese Wonder, 'Can We Count on America?'

<--

مصير ‘الحماية الأميركية’ للبنان السياسي

يثير النقص المقلق في درجة “الحماية الاميركية” لـ”لبنان السياسي” والذي ظهر في الاربع وعشرين ساعة الاخيرة مع القصف الذي تعرضت له مدرجات مطار بيروت واعلان اسرائيل الحصار الجوي والبحري على كل لبنان، يثير اسئلة عديدة ويطرح مسألة ينبغي ان تشغلنا كثيرا بسبب شبه الانكشاف العسكري ناهيك عن الاقتصادي على هذا الصعيد.

ويزداد الحاحا طرح السؤال، هل هو “نقص” طويل ام مؤقت في قرار الحماية، بعد ان عكس تصريح الرئيس الاميركي جورج بوش “حساسية” واضحة حيال الموضوع، موضوع الحماية، باعلانه ان العمليات العسكرية الاسرائيلية الجارية “لا يجب ان تضعف حكومة فؤاد السنيورة”. فهل هناك اضعاف اكثر من ضرب الموسم السياحي المزدهر فعلا عبر ضرب “كعب اخيله” اي مطار بيروت وكذلك الترهيب الشامل لاي سائح مع اعلان الحصار؟

في هذه اللحظات العصيبة التي يسقط فيها ضحايا لبنانيون وترتكب الآلة العسكرية الاسرائيلية في عدد من الامكنة جرائم فظيعة لا بد ان تشغلنا هذه المسألة. مسألة مصير الحماية الاميركية للتركيبة السياسية اللبنانية التي اعيد تشكيلها بعد اغتيال رفيق الحريري على اثر القرار 1559 وتكرست بـ”الاكثرية النيابية” في برلمان صيف 2005 ثم الحكومة الحالية.

اقفال مطار بيروت ببضع قذائف واعلان الحصار مثيران للقلق الكبير على هذا المستوى، اذ يعنيان واحدا من امرين: اما ان الاسرائيليين الذين لا يستطيعون تخطي استهداف المناطق “الجنوبية” اي الجنوب والبقاع مرورا بالضاحية، عوّضوا عن ذلك باستهداف لئيم (ولو شبه رمزي) لمطار بيروت، اي لكل لبنان فضربوا الاقتصاد السياحي للبنان بكامله بهذه القذائف القليلة على مدرجات المطار ومجرد اعلان الحصار مع بعض استعراضات البوارج امام شواطئنا، او ان هناك رفع غطاء اميركياً عن كل لبنان السياسي الذي قاد الاميركيون مع الفرنسيين عملية اعادة تشكيله منذ اواخر صيف 2004 (القرار 1559) وحموه اقتصاديا، رغم افلاس الدولة شبه المعلن، كجزء لا يتجزأ من حمايته السياسية منظورا الى الاقتصاد كأساس للامن السياسي… هل رفعوا الغطاء عن عملية لَيْ ذراع اقتصادية للبنان تحقق خيار خلق حالة يدفع فيها كل اللبنانيين ثمن سياسة محددة في الصراع مع اسرائيل بعد عام 2000؟

السؤال اساسي لان الحماية السياسية الاميركية ليست فقط ضرورية للبنان السياسي الذي هو الاطار الثاني المهم الذي اختارته ادارة الرئيس جورج بوش لتحقيق التغيير في المنطقة بعد الاطار العراقي، بل لانه لا خيارات كثيرة جادة في وضع الانكشاف اللبناني امام اسرائيل اذا قررت الآلة العسكرية الاسرائيلية ان تؤذينا بشكل شامل تحت اية حجة كانت.

صعب تصور ان تكون الحماية الدولية اي الاميركية تحديدا – قد رفعت بهذا الشكل الكامل في الغرف السرية، ايا تكن اخطاء التوقيتات “الصيفية” لـ”حزب الله” وخصوصا اختيار تجاوز الخط الازرق بعيدا عن مزارع شبعا، وايا يكن اتصال التوقيت بحرارة عائدة ملتهبة للملف النووي الايراني مع اعادة الاوروبيين طرح عرضه على مجلس الامن… كمؤشر صدامي بين ايران والغرب الاوروبي والاميركي.

فمع كل الشبهات التي يمكن ان تحوم حول غض نظر اميركي جدي عن التوسيع الاسرائيلي لاثر المواجهة من “الجنوب السياسي” الى “لبنان السياسي”، من المنطقي تكهن ان تسعى واشنطن الى قدر من محاولة جعل العملية الاسرائيلية محدودة زمنيا. لكن ايا يكن المجرى الفعلي للوقائع، فالافتراضات المنطقية ليست دائما الواقعية مثل مفاجأة الضغط الاسرائيلي عبر مطار بيروت والحصار التي كان من المفترض ان تحول واشنطن دون وصول التصعيد الاسرائيلي اليها تبعا لنظرية الحماية لـ”لبنان السياسي” كما تشكل في السنتين الاخيرتين…

في عددها الاخير خصصت مجلة “الفورين افيرز” الاميركية بعض المقالات حول تحولات السياسة الاميركية وبينها مقال لفيليب غوردون حول “نهاية ثورة بوش” التي قامت على طرح ومحاولة تنفيذ مهمات التغيير في بنية المنطقة السياسية تحت تأثير احداث 11 ايلول 2001.

لا شك ان اخفاقات الوضع العراقي الامنية والسياسية (او ما اسميناه مرة “شرشحة المشروع الاميركي” في العراق) هي التي ادت الى “صدمة” التغيير العائد في السياسة الاميركية نحو ما يصفه المعلقون الاميركيون بالتحول الى “الواقعية” المستجدة في الولاية الثانية للرئيس بوش. صحيح ان التحولات في سياسات الدول الكبرى تأخذ وقتا قبل ان تظهر بوضوح، الا ان عددا من الاسئلة يتعلق بدول شهدت تغييرا دراماتيكيا في وضعها السياسي تحت تأثير “ثورة بوش” مثل لبنان، لا بد ان يطرح. فهل يعني التغيير ان نسبة الالتزام الاميركي بالحماية السياسية الاقتصادية للبنان السياسي الذي رعوا اعادة صياغة تركيبته الحاكمة، ستضعف او ستزول؟

صعب القبول بهذا الرأي، انطلاقا من انه لا مصلحة اميركية في هذا التخلي حتى لو بدا هناك رفع غطاء “مؤقت” امام قدر معين من “التهويل” العسكري الاسرائيلي. واذا كان الاسرائيليون اقنعوا واشنطن ان الضغط على “حزب الله” يجب ان يعطيهم تفويضا عسكريا لفترة معينة في لبنان، فإن الاميركيين يعرفون حدود طاقة لبنان على الاحتمال لان اي انهيار اقتصادي لبناني مثلا سيعني انهيارا امنيا داخليا يشجع على العنف الميليشياوي، وهذا سيؤدي الى انكسار صورة بلد “اعيد احياؤه” روجتها واستفادت منها السياسة الاميركية في المنطقة في حوالى العامين المنصرمين.

ربما تكون الاوساط الاسرائيلية في واشنطن منزعجة من تصريح الرئيس بوش حول ضرورة عدم اضعاف العمليات العسكرية لحكومة السنيورة، كما قال لنا امس على الهاتف ديبلوماسي عربي في العاصمة الاميركية.

الا انه بات من المطلوب الآن، بعد صدمة الاذى الاسرائيلي المقصود امس للاقتصاد السياحي اللبناني وهو بالمناسبة اكثر الاقتصادات عدلا في توزيع عائداته عموديا على كل طبقات المجتمع في اي بلد بات من المطلوب ان يثبت الرئيس الاميركي سريعا فعالية السقف الذي وضعه امام الهجوم الاسرائيلي… “فالمعادلة” لا تزال هي نفسها بعد “الشرشحة” العراقية: هل يجب ان “يفرط” كل بلد يضع الاميركيون يدهم فيه او عليه؟!

… على امل ان يتمكن كل لبنان من جنوبه الى شماله الحصول على فسحة من الوقت الهادئ لاستيعاب التجربة الصعبة الاخيرة والجارية بروح وطنية شاملة، لا “تحت وطنية” ولا “فوق وطنية”… هذا التوازن الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من المسار اللبناني الطويل في البحث عن استقرار مقوماته المشتركة. وعلى امل ايضا ان تكون المراجعة عندما تقف العدوانية الاسرائيلية فرصة لتكريس الانجاز التاريخي المتمثل بتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000 لا التفريط به.

رحم الله شهداءنا الجدد الذين سقطوا وحمى الله جميع اللبنانيين كشهداء احياء في هذه اللحظات.

About this publication