وراء الكلام – أحمد دحبور
هيروشيما
اليوم هو السادس من آب. فهو، في حساب التاريخ، يوم هيروشيما.. وهيروشيما هي تلك المدينة الوادعة التي كانت مرفأ يحتضنه البحر الياباني الداخلي في منطقة هو نشو، ليشكل مركزا تجاريا صناعيا تتباهى به بلاد الشمس، حتى حلت به الكارثة في مثل هذا اليوم قبل واحد وستين عاما، عندما القت عليه الولايات المتحدة الامريكية قنبلتها الذرية الاولى، مدشنة بذلك لحظة تاريخية نوعية تأخذ العالم في اتجاه الخراب والدمار، بما يكفي ليشعر أهل القرن العشرين بالخجل والعار حتى يوم الدينونة.
ولن ننسى تلك الصورة المقززة التي شاهدناها قبل زهاء عشرين سنة، لمجرم الحرب الذي القى تلك القنبلة، وكانت ابتسامته الدموية تملأ صفحة المجلة الملونة، تؤكد سعادته وافتخاره بأنه لا سواه من القى تلك القنبلة التي اصابت ستين الفا ومئة الف انسان، ولا يزال كثير من ورثتهم يحملون في الجينات آثار الأهوال الموروثة منذ ستة عقود وزيادة.
يومها، ما كان لأحد أن يسأل الرئيس الامريكي هاري ترومان، ما اذا كان يعنيه ان القنبلة الذرية تهدد مسار الحياة البشرية على الارض. فقد كان المبدأ الذي تسير عليه الادارات الامريكية المتعاقبة، هو: امريكا ومن بعدها الطوفان.. حتى لو لم تكن الولايات المتحدة الامريكية مضطرة الى جر الطوفان الى العالم لتأكيد هيمنتها المطلقة وتشديد قبضة الشركات عابرة القارات على عنق البشرية.
منذ السادس من آب 1945، اصبحت امريكا رمزا لما هي عليه الآن، وكانت دفعة النقوط الاولى التي قدمتها الى عرس الإبادة، هي اعتراف رئيسها ترومان بالكيان الصهيوني بعد خمس دقائق من إعلان وجوده على انقاض الشعب الفلسطيني. ولم تكن فلسطين الا اول طوفان الدم الذي سيشمل جنوب شرق آسيا، وامريكا اللاتينية وافريقيا، والشرق الاوسط. واذا كانت قنبلة هيروشيما هي الصورة المثالية لما يفعل الوحش البشري بالبشر، فقد نجحت ادارات ليندون جونسون وريتشارد نيكسون ورونالد ريغان وجورج بوش الاول في ان تهيل على رؤوس البشر ما يزيد على القوة التدميرية لقنبلة هيروشيما، حتى اذا جاء جورج بوش الجنيور، كان الأكثر بشاعة وشناعة وجريمة في تاريخ امريكا. واذا كانت القوة الغاشمة توصف عادة بأنها ضربة اعمى في زاوية، فمن كالجاهل العنصري الغبي يفوق اعمى القلب ايذاء وضررا؟.. لقد قدر المراقبون الدوليون ان ما نزل على بيروت من اسلحة تدميرية في الاسبوعين الاولين للعدوان الامريكي بالايدي الصهيونية، يعادل قوة قنبلة هيروشيما.
ولماذا؟
يقال ان قنبلة الابادة هذه تؤثر في الجينات، وبما ان جنون الهيمنة قد رسم لادارة بوش انها قادرة على تغيير خرائط العالم، حتى لتصنع شرقا اوسط جديدا، فلماذا. لا يظن ان شرقه الاوسط الجديد سيمتد في الجينات حتى الاجيال الآتية، كما فعلت قنبلة سلفه ترومان في اليابان؟..
لكن الحياة اقوى. وكما حققت اليابان قيامتها وتحولت الى عملاق اقتصادي بعد نصف قرن من قنبلة هيروشيما، فان الشعوب تنهض، وتقوم.. وليبحث الطغاة عن احدى مزابل التاريخ..
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.