أميركا والعراق ..والحل المنتظر!
فاضل حسين الخفاجي
يظهر ان للولايات المتحدة الاميركية وصفة هزلية للعلة العراقية ويحاول الساسة(الاميركان) من خلالها ابداء(النصح) والارشاد لساسة العراق لشراء هذه الوصفة المجربة، ومدلول هذا البلسم هو انه يوصف للمريض بالارق لينام.
ما يؤرق العراقيين انهم باتوا مستباحين في ارضهم حتى من قبل الناس الذين يقولون انهم يريدون تخليصهم من الاستباحة انها وصفة النوايا الحسنة التي تقضي بقتل المريض اشفاقا اي تأمين السلام للعراقيين عن طريق ابادتهم.
وضع وزير خارجية اميركا الاسبق(هنري كيسنجر) نظرية سميت في حينه(القتل الاشفاقي) في كمبوديا حيث تمت الاغارة عليها لتدميرها فكانت النتيجة ان افزعت البلاد من اهلها تماما كما هو جار الان في العراق، وعندما اعيد السكان الى سابق عهدهم اعيدوا بالانتقاء فتم اختيار السكان واحدا واحدا وكأن العراق سيصبح تجربة اخرى اي ان العراق لم يعد هو الاساس على اعتبار ان القسمة قد حصلت واخذ كل حصصه وما هو مطلوب الان تقرير مصير العراقيين من يبقى هنا ومن يبقى هناك ومن يرحل من هنالك!! انه لأمر خطير لا نهاية له الا من خلال تفريخ المزيد من الحروب والانقسامات الداخلية!!
فالذين ساهموا في خلق الازمات العراقية خلقوا لانفسهم ثغرات امنية يأتون اليوم لسدها بالقوة، وربما بعد فوات الاوان! ولنرجع الى (كمبوديا) للدلالة فقد ضربها الاميركيون من اجل امنهم في فيتنام، ثم ضربها الصينيون من اجل امنهم تجاه السوفيت والفيتناميون ثم ضربها الفيتناميون من اجل امنهم تجاه الصين وهكذا!!
في العراق الان كل له امنه الذي يضرب من اجله، فالكل يوجه خارج حدوده من اجل اتقاء حدوده او ابعاد الشر عن شعبه والطرف الوحيد الذي هو بحاجة الى الامن هو العراق، لا امن له لانه غير قادر على الضرب.
ان هذا التمثيل المروع بالجسم العراقي يفوق ولا شك ما جرى في كمبوديا وقد وصفت المأساة(الكمبودية) في حينه بانها ابشع مأساة شهدها العالم.
بعد الانتخابات التي جرت في العراق (15 كانون اول 2005) كان الجميع يأمل في ان تحل كل المشاكل بعد ان شاركت معظم التيارا ت والقوى بعد القناعة التي تولدت لديهم..! ولكن يظهر ان الظروف غير مهيأة لهذه الكتلة او تلك. ما ان تحل مشكلة حتى تخلق مشكلة اخرى، لن يحل المشكلة حتى ولو اشتركت كل دول الارض طالما ان الاساس الذي تتصرف من خلاله الاطراف المعنية في موقف (مهزوز) فالمشكلة ان جميع الاطراف اعتبرت ان المشكلة اصبحت داخلية (لعبة كراسي) لذلك فان المسألة يجب ان تعود الى بدايتها اي الى استعادة الامن العراقي، فالامن العراقي هو الذي يؤمن الامن للجميع وفي هذا تقع مسؤولية كبيرة على الكتل السياسية وعلى جميع العراقيين فاذا كان العراقيون منقسمين الى خيارات عديدة حول الجاذبية الوطنية فالارتباك واضح ومن اجل استعادة الجاذبية الوطنية يقتضي ان يكون كل قائد سياسي عراقي، قائدا للعراق لا مديرا لازمته ، لكن هذا يتطلب موقفا حازما وحاسما لا تردد فيه ولا هوادة. قد يكون اجتهاد القائد السياسي في البدايات الاولى للازمة سليما من حيث الحرص على منع التصادم المروع الذي ينتهي بالتقسيم او استمرار الاحتلال فالواجب الوطني المفترض الان ان يفعل هذا الاجتهاد من اجل وقف نزيف الدم، وبالتالي من اجل وحدة العراق وشعبه.
اذا كان نصف العراقيين يتطلعون الى جهة، ونصفهم الاخر الى جهة ثانية فان قابلية الانشطار هي احتمال مغر بقدر ما هي شرخ في صف الوحدة الوطنية!
ومن خلال هذا الظرف والظروف السائدة الاخرى، فالتجميع الوطني هو البديل للانشطار وهو الحالة الموضوعية التي لا تتحقق الا بتحقيق ظروفها واول خطوة على طريق هذا التجميع المطلوب هو ان تقتنع كل الاطراف ان ذلك في مصلحتهم جميعا.
على الرغم من المآسي التي شهدها العراق بعد احداث 22 شباط 2006 او الذي استطيع تسميته بـ(الاربعاء الاسود) في سامراء وما رافقها من اعمال عنف في انحاء متفرقة من العراق ومن وصول الازمة الى حافة الخطر، فان الظرف ملائم لتخليص كل الفرقاء من هذه الازمة التي يشكل استحكامها نزفا دائما لا شفاء منه، لأن شرط الخلاص هو ان لا يكون الحل مبتسرا فيشكل ورطة جديدة، بحيث تنتفي امكانية اي حل في المستقبل.
فالاشفاق على العراق ليس بقتله بل بسرعة ضماد جروحه عن طريق الاستحقاقات الديمقراطية، وبالتوافق والحوار اما السلام عن طريق الابادة فهي الحرب التي لا تنتهي!.
جريدة الصباح
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.