What We Require from Miss Rice …

<--

الافتتاحية

مطلوب نظرة أميركية متوازنة

اذا عطفنا قضية الارهاب على أشباح الحرب الاهلية التي تجوب الفضاء الفلسطيني, وأضفنا إليها تقاطعات المصالح بين اسرائيل وايران, وسورية كملحق ايراني, وأكراد العراق وتركيا… اذا عطفنا هذه العناوين الكبيرة على زيارة كوندوليزا رايس, وزيرة الخارجية الاميركية, الى المنطقة تتضح لنا الخنادق المتقابلة, أميركية وغيرها, وتتضح لنا ملامح الصراع الكبير الذي يواجه الولايات المتحدة, ويسعى الى القضاء على سياساتها, والانتصار عليها في الحرب التي تخوضها ضد الارهاب.

رايس الآن لم تعد في الصفوف الابتدائية او تتلقى الدروس الاولى عن قضايا الارهاب وعلاقتها بقضايا الشرق الاوسط… هذه المسألة أصبحت واضحة المعالم, وناشئة أساسا من سياسات واشنطن ذاتها التي لاتزال تنظر الى المنطقة بعين اسرائيلية واحدة.

بالتأكيد تلقت رايس الملاحظات المهمة من خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز, وستتلقى غدا الملاحظات ذاتها حين تلتقي وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي, ومصر والاردن في القاهرة, وستسمع الكلام ذاته عن مسؤولية السياسة الاميركية عن تفاقم الارهاب, وارتباطه السببي بسلوكيات واشنطن المطلوبة لاعادة النظر.

الدول العربية المعتدلة ممكن ان تتحالف مع الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب, لكن ليس قبل الاتفاق على الاسباب المولدة له, والتعرف على الايديولوجية التي يعتنقها. في هذا المجال لابد من الاقرار ان الارهاب قام على مبررات وفرتها له السياسات الاميركية والسياسات الغربية منذ 58 عاما, اي منذ نشوء القضية الفلسطينية وما تفرع منها من آلام.

مبررات الارهاب ترتكز إلى هذه الآلام وتتوجه بها الى دغدغة مشاعر الناس وإيهامهم بأن أميركا تدعم اسرائيل في اغتصابها لاراضي الفلسطينيين, بما فيها الاراضي المقدسة عند العرب وغير العرب, وبالتالي فإن قتال اميركا واجب كونها العدو الاول والشيطان الاكبر, والحامي الاقوى للاغتصاب الاسرائيلي لاراضي فلسطين.

في مقابل هذا القرار فإن على رايس ان تعرف بأن الارهابيين لا مصلحة لهم في قيام سلام بين اسرائيل ومحيطها, ولايريدون شرق اوسط جديدا تحلق في سمائه حمامات السلام بيضاء كانت أم سوداء, وإلا تعطل عملهم, وأحبط خطابهم, وانتفت مبرراتهم وأغلقت دكاكينهم. والمثال أمامنا قريب من خلال مواقف حركة »حماس« التي تبرر مقاومتها, او ارهابها لاي كان, بتعنت اسرائيل وتعسفها, وتجويعها وحصارها للشعب الفلسطيني. لكن هذا الشعب لم يكتشف رداءة »المبرر الحماسي« الا بعد ان اكتشف خيالية شعارات »حماس« وإنها لم تنزل عليه المن والسلوى, ولم تطعم أبناءه رغيف خبز.

وفي مجال السعي لاقامة تحالفات في المنطقة نلحظ, الى جانب انحياز السياسات, ان الادارة الاميركية لا تستمع احيانا لنصائح المتحالفين معها, وتعتمد على تحليلات مجموعة من المنظرين يطلون على الشرق الاوسط من بعيد دون التعرف على تفاصيل مكوناته وخصوصياته, وهي التفاصيل التي أدركها الانكليز وتعاملوا معها بنجاح, وأدرك الفرنسيون جزءا منها, وكان الانكليز اكثر مهارة منهم فعرفوا كيف يبقون في المنطقة ومتى يجب ان يرحلوا منها.

كل المطلوب الآن من كوندوليزا رايس ان تراكم تجربتها الشرق اوسطية, وان لا تعطي الارهاب المزيد من المبررات كي يتفاقم ويزدهر, وأن تضع القضية الفلسطينية, ولمرة أخيرة, على سكة التسوية النهائية العادلة والشاملة التي تنتهي بها الى قيام دولة قابلة للحياة تعيش جنبا الى جنب مع الدولة العبرية, وأن تدرك المعسكرات التي لاتريد السلام. كما تدرك اسرائيل هذه الناحية.

ان دوام التوتر والاضطراب, وبقاء المنطقة تحت سيوف التهديد بالحروب يشكلان مصلحة كبرى للارهابيين, ومصلحة أكبر للمؤمنين بالمتاجرة السياسية وإبرام الصفقات الفاسدة تحت وطأة الابتزاز. واذا كانت رايس تعرف هذه الحقيقة, وتسعى الى بناء جبهة سلام مع دول الخليج ومصر والاردن, فان عليها ان تصغي لنصائح هذه الدول حول كيفية الوصول الى هذا السلام, وأبرز هذه النصائح عودة النظرة الاميركية الى توازنها, بدل ما هي الآن نظرة أحادية تتوفر عبر العين الاسرائيلية, وتجاهل نظرة بقية الاطراف التي لم تعد تطلب الا هذا التوازن, على الاقل حتى يمكن قطع الطريق على نمو الارهاب والقضاء على مبررات قيامه.

أحمد الجارالله

About this publication