خريطة طريق” لتوحيد الزمن”
مي ضاهر يعقوب
اليوم والآن، في مكان ما في بنسلفانيا، وآخر على سطح المريخ، تحدث أمور في الوقت نفسه لا علاقة لها بالمرحلة التي نعيش فيها، لا القرن ولا السنة ولا اليوم. كأن أناساً غرباء موجودون الآن في الولايات المتحدة نقلتهم إليها مركبات الوقت من أزمنة مختلفة، ولم يسيروا خطوات التطور معاً ولم ينظروا الى الآفاق معاً.
في بنسلفانيا جماعة من المسيحيين الأصوليين المعروفين بالـ “أميش” كانوا أمس يدفنون موتاهم. أربع فتيات صغيرات قتلهن شاب مهووس بعدما اقتحم مدرستهن المؤلفة من صف واحد يضم تلامذة من الجنسين ومن اعمار مختلفة. طرد الصبيان والمعلمات والمساعدات، وأبقى الفتيات الصغيرات، وقبل ان يستكمل ما خطط له قتلهن وقتل نفسه
الخبر هنا ليس في المجرم المهووس ولا في الصغيرات، بل في هذه الجماعة التي تتألف من بضعة آلاف من الناس تقيم في بعض نواحي شمال أميركا وكندا، وتعيش كأسر كبيرة تعتمد أنظمتها لا أنظمة الدولة في التربية والتعليم، رافضة رفضاً قاطعاً تكنولوجيا العصر واختراعاتها. فلا مكان في مجتمعاتها للأجهزة الكهربائية ولا للهاتف الثابت أو النقال، ولا للكومبيوتر طبعاً، ولا حتى للسيارات!
أمس، كان موكب الدفن يضم عشرات من عربات الخيل تنقل أهالي الضحايا بصمت الى حيث مواراة الصغيرات، وصلّوا من أجل الصفح والغفران اللذين يحرصون عليهما في طقوسهم وعباداتهم.
وفي مكان آخر في باسادينا بولاية كاليفورنيا، يجلس علماء فيزياء الفضاء في “مختبر الدفع النفاث” أمام أجهزة كومبيوتر متطورة وشاشة كبيرة، متصلة بأقمار إصطناعية وتعليمات بالأرقام والرموز الفيزيائية والرياضية المعقدة. يحدقون في الشاشات الصغيرة والكبيرة ساعات، بل أياماً وأسابيع وأشهراً، موجهين مركبة فضائية صغيرة على سطح المريخ، لتستكشف التربة وتضاريس الكوكب الأحمر. وهي تنتظر هناك منذ أسبوع قرب حافة حفرة كبيرة “خطة الطريق” التي ستسلكها نزولاً، علماً انها تتلقى التعليمات من على بعد اكثر من 170 مليون كيلومتر!
مفارقة غريبة لشعب واحد في وقت واحد وأرض واحدة. والأرض مليئة بالمفارقات بين شرق وغرب، وشمال وجنوب، ومسلم ومسيحي، ويهودي وهندوسي، الى آخر التركيبات البيولوجية والعرقية والدينية. وكلها ستندثر كما اندثرت الحياة على سطح المريخ. وثمة قول لعالم الفيزياء الشهير ألبرت آينشتاين قد يرشدنا الى “خريطة طريق” إنسانية: “أعثر على البساطة وسط الركام، وعلى التناغم وسط الخلاف، لأن الفرص تكمن في المصاعب”. ولهذا، ربما، نجد جماعة الـ”أميش” سعداء في حياتهم، وكذلك علماء الفضاء.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.