After the فهد بن سليمان الشقيران
ليست نكتة، إيران قد تسعف أمريكا!
فهد بن سليمان الشقيران
حينما سقطت بغداد السقوط الحديث على يد القوات الأمريكية هلّل البعض وزغرد، ورأى أن في هذا السقوط فتحاً يشبه الفتوحات الكبرى للحضارات والشعوب، وتنوعت الرقصات من قبل فئات مختلفة، وتيارات متنوعة، وكم كانت تلك الاحتفالات مليئة بالسذاجة والعجلة. ظن البعض أن مجرد إسقاط تمثال صدام «يعني ولادة الديمقراطية الموعودة»! وكأني بالذهنية الرأسمالية قد سلّعت حتى المفاهيم، فتصورت «الديمقراطية» سلعة تأتي عبر العمليات الإغاثية! وحينما كانت الفضائيات تعزف على هذه الأيقونة كنت منهدشاً كيف يمكن لعقل أن تبلغ به سذاجة التفكير إلى هذا المستوى؟
مشكلة العراق الآن تنمو ككرة الثلج، وتزداد تفاقماً وغموضاً، أدنى مستويات «ضبط الأمن» غير متوافرة، فضلاً عن نظام ديمقراطي مزعوم، تحاول السياسة أن تشحن المتلقي على غرار الشحن الشهير، وفق حصار تحليلي أمام ثنائية تافهة: (إبقاء صدام أم غزو العراق؟) وكأن الفكر البشري عجز عن إيجاد خيار ثالث يمنع العراق من الوصول إلى الحالة التي هو عليها الآن.وحينما نفحص العناصر الخطيرة التي قامت عليها الحرب على العراق تفاجئنا ببساطتها ووعورتها.
أكبر تلك الحماقات (الجهل بالمجتمعات) فحينما احتفل رئيس الولايات المتحدة بسقوط بغداد، ظن أنه يحتفل بزرع الديمقراطية، ومع مرور الأيام تبين أن ذلك الاحتفال تحول إلى كرنفال مشؤوم أيقظ مارد الإرهاب والتفجير والتدمير والخراب في كل أصقاع العراق، ومع كل احتفال بإنجاز جزئي- منذ القبض على صدام، واغتيال الزرقاوي، والحكم على صدام- تبرز إشكالات جديدة ومآزق متعددة تنبئ عن الفراغ الذي يكتنف الساسة نظير احتقارهم لمنتجات عاضدة أخرى كعلوم المجتمعات والجغرافيا، حتى الثعلب برنارد لويس بدا في آخر لقاءاته يحكّ أصابعه بتوتر شديد، ظنّ وهو الثمانيني الدارس للعرب مدة طويلة أن غزو بلد يشبه إلى حد كبير دخول ساحة مملوءة بالخراف!
لم يكن التمييز بين ثقافة الشرق و ثقافة الغرب تمييزاً عربياً فحسب ولكنه تمييز علمي. والتمييز بينهما لايعني الانفصال وإنكار التأثر والتأثير بقدر مايعني الواقعية في التعاطي والتمهّل في التحليل.كما أن التمييز لايجب أن يهدف إلى التمميز العنصري أو الفئوي ولكنه التمييز العلمي، فالشرق له تاريخ مختلف تماماً وجذرياً عن التاريخ الغربي، والشعوب الشرقية بطباعها وأنماط تفكيرها وطريقة تعاملها مع: (الأفكار، الدين، المجتمع، السياسة، المال)فالتجربة الشرقية على المستوى الثقافي خاصةً تختلف بشكل صارخ وأرى أن ممايجب حفره في العقل والمخ أن الشرق يحمل في جوفه بنية مختلفة عن البنية الغربية وداخل كل بنية تشعبات متعددة.
فـ «الثورات» على سبيل المثال نجحت في أوربا، وأصبحت المحرك الأهم لنشر الحريات الفكرية والسياسية للعالم، ولكنها في العالم العربي فشلت فلم توجد ثورة إيجابية لصالح الإنسان -في العالم العربي-حتى الآن ولا أعتقد أن «الديمقراطية» يمكن أن ترسخها الثورات والحروب في العالم العربي. فأهل مكة أدرى بشعابها وديمقراطيات الحروب والغزو لايمكن أن تنمو في تربة شرقية. وجل الدراسات العربية الاجتماعية-على قلتها- تبرهن على صعوبة استنساخ نماذج محددة وصعوبة نجاح أي عملية استنساخ لأي نظام سياسي، وكل الأنظمة السياسية التي تعيش الآن في أجواء حرة نمت بتدرج طبيعي، مع أخذ الأزمات العارضة ومقاومة الفكر التقليدي للجديد بالاعتبار.
إن الـ»مأزق» السياسي العربي له جذوره وتاريخه، ولنتصفح أي كتاب في هذا الجانب، وليكن كتاب (نقد العقل السياسي العربي) لنرى حجم تكوّن مشكلة السياسة في الفكر والواقع العربي على مدى قرون، ومحمد الجابري في كتابه المذكور يفتت تلك الوقائع ويصوغها بمفاهيم عريضة، إنه لايطرح نظريات آتية من بعيد، ولكنه يناقش بكل وضوح (الحالة العربية) مع (السياسة) وأمثال هذا الكتاب سيل من الكتب التي تتناول هذا الجانب في التاريخ الإسلامي وفي الخلافة الإسلامية.
وحينما ندرس «المسألة العراقية» بدقة منذ سقوط تمثال بغداد وانتصار مارد الإرهاب وحتى اليوم نجد الفضائع، فالديمقراطية التي يراد زرعها لاوجود لها إطلاقاً، صحيح أن العراق اقترع، وأن ثمة مؤسسات محددة انتخبت، إلا أن الإنسان أهم من الديمقراطية، وموت البشر هناك بهذا الشكل البشع يبين حجم التسطيح الذي يمارس الآن لمفهوم بشري أصله (يوناني)، وإنساني وله عراقته. ومن ثم يختصر بطائرات تقصف وأفراد يأتون من «المهجر» ليحكموا البلد!! إن أي باحث وقارئ لمفهوم الديمقراطية المتحرك والبريء يلمس حجم التدجين السياسي الاستبدادي الذي يمارس ضد الشعوب باسم هذا التحريف للمفهوم.
من أجل تلك الدعاية انهار العراق وأصبح كما نراه الآن في وضع لايحسد عليه، وانفتح جرح العراق ليسبب العمليات الإرهابية المتفرقة في أماكن متعددة ولتشمل فوضاه المرعبة نمو قوى إقليمية لها مصالحها المنفصلة عن القرارات العربية كنمو دور سوريا وإيران واستغلالهما الذكي لحرب أمريكا على العراق .وكأن مهمة الولايات المتحدة تقضي بتسليم العراق إلى إيران.
إنها ليست «حكاية» أو «أحجية» إيران التي وصفتها الولايات المتحدة مع بعض الدول بـ(محور الشر) في عام 2001 قد تكون «الملاذ»!رغم أن ديفيد ويلش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية رأى في تصريحاته الأخيرة في الأردن (أن التركيز في الإعلام على هاتين الدولتين مبالغ فيه) في الوقت الذي يصر فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على إشراك (كل دول المنطقة بمافيها إيران وسوريا في رسم الاستراتيجية الشاملة لجلب الاستقرار للمنطقة) ومأزق القوة الأمريكية في العراق بكل بساطة جاء نتيجة الاعتماد على الحسابات البنكية والتجارية لحرب ينظر إليها -أكثر العرب-على أنها حرب لها أهدافها المختلفة في السياسة والاقتصاد والثقافة، كما ينظر إليها «العراقي» على أنها حرب «جرحت نرجسيته» و «تحدّت ثقافته».
هل تنمو امبراطورية إيران الإسلامية وملحقاتها وتبسط سطوتها على دول المنطقة بعد هذا الانهيار المتسارع للقوات الامريكية في العراق؟ هل سيصبح الطريق الأمثل للنجاة من نفوذ محور إيران عبر اللجوء إليه؟ هل ستصبغ إيران- بوصفها المستفيد الأقوى والأكبر من انهيار أمريكا في العراق- بلدان العالم العربي بصبغتها؟ هذه هي ملامح الفشل التاريخي لأمريكا في العراق. تلك هي الأسئلة.حرب العراق لم ترسخ الديمقراطية الأمريكية المنفتحة، ولكنها جذّرت إسلامية إيران -وهي المناهضة الكبرى لسياسات أمريكا في الشرق الأوسط- هل كانت احتفالات العربي المحبط المتلذذ بأجواء عيش مدفوعة الثمن في المهاجر الأوروبية والأمريكية بانتصار أمريكا في العراق محض سذاجة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.