الافتتاحية
نهاية السياسة
بداية الحرب
بصرف النظر عن كيف تنظر ايران الى نفسها, او كيف تحلل الاوضاع في المنطقة, وكيف ترى الوضعية الاميركية بالذات, ضعيفة ام قوية, الا ان ايران تحتاج دائما الى مغادرة الشعار التعبوي التحذيري, وايلاء الامور نظرة واقعية, خصوصا الجانب المتصل بظروف الاقليم الخليجي, وهي ظروف بالغة التعقيد اقتصاديا ومذهبيا, وبالغة الاهمية كونها تحيط, او تتعلق, بما نسبته عشرون في المئة من نفط العالم الذي يخرج من مضيق هرمز لامداد الشرايين الدولية بدماء الطاقة.
ايران بهذا المنظور الواقعي ليست وحدها, ولا تعيش ظروفا خاصة بها لا علاقة للجوار بها, ولذلك لايجوز ان تضع حدودا نهائيا للسياسة, كأداة سلمية لمعالجة الخلافات, وتفتح الباب امام الحروب والتي في العادة, وفي منطقة كمنطقة الخليج, لن توصل الى اي هدف سياسي لتفاوت موازين القوى بشكل دراماتيكي.
ان اصرار ايران على التحدي, واغلاق ابواب السياسة, واعلانها للتحدي والتمرد على قرارات مجلس الامن, وللاصرار على مواصلة البرنامج النووي الذي انطلق من دون مكابح, كما قال الرئيس الايراني نجاد, ولا مجال للعودة به الى الوراء… ان هذا التحدي يمثل بالتأكيد جلب الحرائق الى كل منطقة الخليج,والتي من ستراتيجية العالم كله تأمينها كممر مستقر للنفط غير قابل للتهديد… منطقة الخليج هي المركب الذي تقطنه الدول المعنية, واذا ما استمرت ايران في سياسات التحدي فإنها تقدم على خرق مكانها, بحجة حقها في السيادة على قرارها الداخلي, وهي حجة لن تدفع مخاطر الغرق عن المركب الذي يقع الجميع على متنه.
دول الخليج كلها لاتريد ان تتعرض ايران لاي ضربة عسكرية من قبل اي جانب, لكنها في الوقت نفسه لاتريد ان تغرق جراء العبث الايراني, وبإزاء هذا الموقف المشحون بالمخاوف تظل الكرة في ملعب ايران التي عليها نزع فتائل الازمة, والتوقف عن طموحاتها النووية, والامتناع عن خرق مكانها فوق سطح السفينة حتى لايسفر ذلك العمل المرفوض وغير المبرر, عن غرق الجميع.
ايران تعرف ان منطقة الخليج كناية عن مركب واحد, وتعرف ايضا انه ممنوع عليها الاستفراد بقرارات الحرب والمواجهة من دون التنسيق مع جميع الركاب, وتعرف اكثر واكثر ان طموحات الهيمنة والسيطرة, وامتلاك الكلمة العليا في الاقليم, ما هي الا مقدمات للعدوان, وابداء النوايا بالتسلط, وفتح ابواب الصراعات الاقليمية على جميع مستوياتها, المذهبية والاقتصادية, والحربية… الاقليم هنا حساس, ولايتحمل طيش المغامرات, ولا محاولات احياء جيف التاريخ واستحضارها للتحكم بالعقائد وبفروض الايمان.
ايران, بهذا المفهوم, يجب ان تعود الى عقلها, والى رشدها واتزانها, لانها لا هي ولا دول المنطقة معها, قادرة على مواجهة قوى العالم الغاضبة, والرافضة لتهديدات طهران واستعراضاتها للقوة. واذا كانت هناك قوى عالمية اخرى, كروسيا والصين, تعتمد عليها ايران في اقامة توازن قوى مع الولايات المتحدة, فإن هذا الاعتماد لن يوصلها الى النتيجة الصائبة, فروسيا مثلا دولة لها مصالحها, وهذه المصالح تراها دائما مضمونة عبر التفاهم مع المجتمع الدولي, ومع اميركا, لأن ايران لاتشكل لها مصلحة مساوية بأي شكل من الاشكال.
مصالح روسيا والصين مع اميركا حتما, واذا كانت الدولتان تبديان تعاطفا فهو تعاطف للمجاملة ووقتي, وسرعان ما سيتلاشى حين تقع ساعة الجد. الدول عادة ليست جمعيات خيرية كما يقولون, فهي تسعى الى مصالحها, وتحاول حماية هذه المصالح من الضرر بأي وسيلة ممكنة, وقد رأينا ان كوريا الشمالية كانت عاقلة جدا حين حددت مصالحها مع المجتمع الدولي, وقررت التوقف عن برنامجها النووي مقابل مليون طن من الطاقة تتلقاه سنويا, وهو الكمية التي تريدها لتغطية حاجاتها الداخلية, الى جانب اجراءات اخرى تخرجها من المجاعة والعزلة.. كوريا الشمالية تمصلحت من ازمتها النووية وعلى ايران ان تمشي في الطريق نفسه اذا ارادت ان لاتتساقط حجارة المعبد فوق رأسها ورؤوس غيرها.
نعترف ان من حق ايران الافادة من الطاقة النووية في الاغراض السلمية, لكن لايوجد لديها الآن ما يثبت انها لاتميل في برنامجها نحو انتاج اسلحة دمار شامل, وباصرارها على هذا البرنامج تثبت فعلا ان نواياها مريبة, خصوصا حين اوصلت القضية الى طريق مسدود.
نهاية السياسة بداية الحرب, لكننا نعتقد انه مازال في الوقت متسع كي تعود ايران الى حجمها والى رشدها, لان الحرب هذه المرة ستكون حرب الجميع ضد طهران, اي حرب الاميركيين وغير الاميركيين, وعلى جبهات متعددة نووية ومذهبية, لان لا احد يريد ان يغرق جراء العبث, وسياسات المزايدة, ومحاولات الخروج من التأزم الداخلي بترحيل الازمات الى الخارج.
النظام الايراني نظام مأزوم يستعين على ازمته بافتعال الازمات الخارجية, والتي اذا تفاقمت فلن يبقى هناك نظام يقول للناس ان لدي ازمة واني اريد ان احلها بنفسي.
أحمد الجارالله
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.