The Three U.S. Presidential Candidates and Us

<--

نحن والمرشحون الثلاثة لرئاسة أميركا

جميل مطر الحياة – 05/05/08//

في كل مكان ذهبت إليه خلال الأسابيع الأخيرة وجدت نسبة غالبة بين من اتصلت بهم من صانعي الرأي تعرب عن الأمل في أن يفوز باراك أوباما بمنصب الرئاسة في الانتخابات الأميركية المقبلة. أستطيع فهم هذه الحماسة لأوباما من جانب الكثيرين في منطقتنا وفي مناطق أخرى مثل افريقيا وأميركا اللاتينية وبين فئات في الرأي العام الأوروبي. وإن كنت لا أتفق مع الرأي القائل أن هذه الحماسة إنما هي تعبير عن شماتة وتشفٍ في الطبقة الحاكمة الأميركية أكثر من كونها ميلاً عقلانياً إلى رجل يطرح أفكاراً وحلولاً لمشكلات تمس مصالح الشعوب الأخرى. لا أتفق مع هذا الرأي ولكني لا أرفضه على إطلاقه فهناك جوانب فيه تستحق عدم التجاهل أو الإنكار كلية، منها على سبيل المثال، الخلط أحياناً لدى الرأي العام أو قطاعات مهمة فيه بين الكراهية المتصاعدة دوماً ضد الرئيس الحالي جورج بوش والزيادة المضطردة في الانتقادات الموجهة للسياسات الأميركية في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ومحاولة واشنطن فرض القطبية الأحادية كنظام دولي جديد.

الأمر المؤكد هو أن هذه الحملة الانتخابية تحصل على اهتمام من الرأي العام العالمي لم تحصل على مثله حملة سابقة. ولهذا الاهتمام مبررات يقف في صدارتها:

1- واقع أن السياسة الأميركية بأذرعها الديبلوماسية والعسكرية والاقتصادية كافة كانت وما زالت، وإن بدرجة أقل، صارخة. وأقصد بهذه الكلمة طموحها المبالغ فيه وبشاعة سلوكياتها وقسوة ممارساتها، وربما أيضاً ضخامة هزائمها أو على الأقل تفاهة انتصاراتها رغم الحجم الهائل لنفقات التسلح والحروب والتبشير بأيديولوجية معينة.

2- أثارت الحملة الانتخابية، بسبب زيادة مواردها المالية وكثافة المشاركة الشعبية فيها وتنوع أساليب الإعلام وأدواته المتطورة، فضول الرأي العام الدولي وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من المناطق المحرومة من حق الاستمتاع بالديموقراطية على النمط الغربي وبالحوار المكثف الدائر في أميركا حول مختلف القضايا الداخلية والخارجية. وأذكر أن أحد كبار المفكرين العرب قال إن أكثر ما يشده إلى هذه الحملة المستوى المرتفع للنقاش وعرض الموضوعات، بفضل اعتماد المرشحين الثلاثة على كفاءات أكاديمية وإعلامية وعلى مراكز بحوث لها وزنها في الحياة السياسية والثقافية الأميركية.

3- التنوع المثير في طبيعة المرشحين الثلاثة وخلفياتهم. لقد أثارت الحملة منذ بدايتها اهتمام قادة رأي في معظم أنحاء العالم بسبب وجود مرشح أسمر صغير السن وسيدة مرشحة متوسطة العمر ومرشح أبيض متقدم السن، بالإضافة إلى أن كل مرشح من الثلاثة يجمع في شخصيته مكونات لافتة للاهتمام. أوباما الأسمر والدته امرأة بيضاء مسيحية ووالده رجل مسلم من أصول افريقية، وباراك نفسه مسيحي يتبع المذهب الانجيلي. الرجل في حد ذاته مفاجأة لكل من لم يتصور أن هيمنة الرجل الأبيض على الحياة السياسية الأميركية ربما تكون اقتربت من نهايتها. كانت تصرفاته خلال الحملة مفاجأة أخرى لكل من توقع له أن يخضع لضغوط المؤسسة البيضاء في أميركا، وكذلك لكل من توقع أن يؤدي ترشيحه وخطابه الانتخابي إلى «ثورة اجتماعية – سياسية» في صفوف الأميركيين من أصول افريقية.

كذلك كان متصوراً في البداية أن هيلاري كلينتون لن تصمد طويلاً في الحملة إذا لم يصمد إلى جوارها زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، ولكنها صمدت بل توفرت لديها الشجاعة لتزيحه جانباً عندما شعرت أن جاذبيته بين النساء وقصصه مع بعضهن قد تأتي على حساب شعبيتها بينهن. ولا يمكن إنكار أن هيلاري أثبتت جرأة منقطعة النظير وقدرات خطابية هائلة وستترك بصماتها على مسيرة الديموقراطية الأميركية. ولكن لا يمكن إنكار أن هيلاري لم تفلح في كسب شعبية لدى الرأي العام خارج أميركا. فالرأي العام العالمي، وأكثره كما نعرف في آسيا والعالم الإسلامي، لم يتأهل بعد لقبول فكرة أن تجلس في المكتب البيضاوي امرأة تقرر وحدها مصير العالم. وما زال يوجد في الولايات المتحدة بين القادة العسكريين من يعرب عن شكوك في قدرتهم على ضمان التأييد المطلق والطاعة العمياء بين الجنود والضباط من الرتب الصغيرة لسيدة تتولى وظيفة القائد الأعلى للقوات المسلحة.

أما السناتور ماكين فقد أحدث الإعلان عن ترشيحه ما يشبه الصدمة في كثير من دوائر صنع الرأي العام، إذ أصر السناتور منذ الأيام الأولى على تقديم نفسه في صورة خليفة الرئيس بوش الملتزم بالسياسة الخارجية نفسها وبتوجهات السياسة الاقتصادية ذاتها، ومتعهداً بعدم التزامه بالسلبيات التي تسببت بها شخصية الرئيس بوش. لذلك دخل حملة مزايدة في السياسة الخارجية، وبخاصة في قضايا كالحرب ضد الإسلام تحت مسمى الإرهاب والحرب ضد العراق (الاستمرار فيها مئة عام أو أكثر) والدعم لإسرائيل على حساب العرب أجمعين والفلسطينيين على وجه الخصوص. وفي الوقت نفسه استمر ماكين يلمح إلى أنه «غير مطابق لبوش» واستمر بوش يوحي لمستمعيه بأن ماكين يتجنبه ولا يريد أن يظهر معه، وكلاهما ينفذ تعليمات قادة الحزب الجمهوري.

كانت هذه مبررات اهتمام الرأي العام العالمي بهذه الحملة الانتخابية بما يفوق اهتمامه بسابقاتها، ولعلها في الوقت ذاته تفسر هذا التراوح في اهتمام الحكومات بها. أستطيع أن أفهم بعض ما يدور في عقل السياسيين في الشرق الأوسط، وربما في آسيا وروسيا وبعض دول أوروبا. إن أهم ما يشغل بال هؤلاء السياسيين هو اقتناعهم بأنه ستقع على عاتق الرئيس المقبل للولايات المتحدة مسؤولية إدارة معادلة صعود آسيا وسقوط أميركا، أو بمعنى أدق مسؤولية الاستعداد لحسم مسألتي الصعود على القمة الدولية والهبوط منها. في أحسن الأحوال يأمل البعض أن يأتي الحسم عندما تكون واشنطن نجحت في منع صعود الصين أو تأجيل صعودها عقوداً أخرى، أو تكون نجحت في القفز بعناصر القوة الأميركية أضعافاً مضاعفة في فترة الثماني سنوات المقبلة. وفي أسوأ الأحوال يأمل آخرون أن يأتي الحسم عندما يكون في القمة متسع للأقوى بين الصاعدين والهابطين على حد سواء. فتصعد الصين وروسيا، وربما الهند والبرازيل والاتحاد الأوروبي، ولا تهبط أميركا.

لذلك يحق للسياسيين في الصين أو روسيا أو أوروبا أن يكونوا أشد حساسية تجاه المرشحين الثلاثة للرئاسة الأميركية. إذ أن أحدهم سيتولى هذه المسؤولية، مسؤولية حسم السباق على القمة لصالح أميركا أو بأقل الأضرار لأميركا. هنا يجب أخذ برنامج المرشح ماكين بجدية، وبخاصة ما يتعلق بحرب طويلة الأجل ضد العراق وإيران وربما كل المسلمين والعرب، وأخذ تصريحات هيلاري أيضاً مأخذ الجد، وبخاصة ما يتعلق بإبادة أو محو إيران من الوجود. وفي الوقت نفسه البحث بعمق في برنامج باراك أوباما، ليس فقط لأنه تحدث طويلاً عن التفاهم مع إيران وكوريا الشمالية ولكن أيضاً، وبشكل خاص، لأنه لا يملك أي خبرة سابقة في صنع السياسة الخارجية وقد يحتاج إلى وقت غير قصير لكسب تأييد المؤسسة العسكرية ومؤسسة إنتاج الأسلحة والنخبة اليمينية المتشددة وجماعة الضغط اليهودي، إذ أنه من دون دعم هذه الجهات أو غالبيتها لن يحقق انجازاً سياسياً يعتد به على صعيد العلاقات الدولية، وبخاصة مع دول آسيا والشرق الأوسط.

قد يرى بعض المعلقين أن الصين تأمل في فوز ماكين باعتبار أنه سيمشي على خطى بوش، وهي الخطى التي بسلبياتها سمحت للصين بأن تسرع خطاها لتحصيل قدر أعظم من القوة والنفوذ من دون الدخول في مواجهة عسكرية أو ديبلوماسية خطيرة. ويرى بعض آخر، أن ما يعتبره الرأي العام في الشرق الأوسط ميزات في أوباما تراه حكومات آسيا وحكومات في العالم الغربي نقائص. يتردد مثلاً في بعض الدوائر الرسمية في عواصم متعددة ومنها واشنطن أن باراك، على عكس هيلاري وماكين، لم يمش في دهاليز الفساد البيروقراطي والسياسي في واشنطن وهي الدهاليز التي مشت فيها هيلاري عندما كانت سيدة أولى في البيت الأبيض وبخاصة خلال محاولتها إقناع البيروقراطية الواشنطنية بمشروعها للرعاية الصحية، ومشى فيها ماكين لسنوات طويلة قضاها في مجلس الشيوخ.

كثير من السياسيين خارج أميركا لا يرحبون برئيس اميركي من خارج «الوسط الرسمي» الأميركي، أو برئيس لا يرتبط بعلاقات ومصالح مع المؤسسات الضاغطة والفاعلة. هؤلاء يصعب إقناعهم بأن أوباما يسعى لتغيير أميركا من الداخل وتغيير سمعتها في الخارج، ويريد تغيير بعض ما تعودت عليه البيروقراطية السياسية وجماعات الضغط الأميركية وأنماط العلاقات القائمة وتأثيراتها على عملية صنع السياسة.

من حقه أن يسعى لذلك، ولكن من قال إن غالبية حكومات العالم، وبخاصة حكومات الشرق الأوسط والنخب التي تجري في فلكها، تريد أن يحدث في أميركا تغيير على هذا النحو؟

كاتب مصري

نحن والمرشحون الثلاثة لرئاسة أميركا

جميل مطر الحياة – 05/05/08//

في كل مكان ذهبت إليه خلال الأسابيع الأخيرة وجدت نسبة غالبة بين من اتصلت بهم من صانعي الرأي تعرب عن الأمل في أن يفوز باراك أوباما بمنصب الرئاسة في الانتخابات الأميركية المقبلة. أستطيع فهم هذه الحماسة لأوباما من جانب الكثيرين في منطقتنا وفي مناطق أخرى مثل افريقيا وأميركا اللاتينية وبين فئات في الرأي العام الأوروبي. وإن كنت لا أتفق مع الرأي القائل أن هذه الحماسة إنما هي تعبير عن شماتة وتشفٍ في الطبقة الحاكمة الأميركية أكثر من كونها ميلاً عقلانياً إلى رجل يطرح أفكاراً وحلولاً لمشكلات تمس مصالح الشعوب الأخرى. لا أتفق مع هذا الرأي ولكني لا أرفضه على إطلاقه فهناك جوانب فيه تستحق عدم التجاهل أو الإنكار كلية، منها على سبيل المثال، الخلط أحياناً لدى الرأي العام أو قطاعات مهمة فيه بين الكراهية المتصاعدة دوماً ضد الرئيس الحالي جورج بوش والزيادة المضطردة في الانتقادات الموجهة للسياسات الأميركية في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ومحاولة واشنطن فرض القطبية الأحادية كنظام دولي جديد.

الأمر المؤكد هو أن هذه الحملة الانتخابية تحصل على اهتمام من الرأي العام العالمي لم تحصل على مثله حملة سابقة. ولهذا الاهتمام مبررات يقف في صدارتها:

1- واقع أن السياسة الأميركية بأذرعها الديبلوماسية والعسكرية والاقتصادية كافة كانت وما زالت، وإن بدرجة أقل، صارخة. وأقصد بهذه الكلمة طموحها المبالغ فيه وبشاعة سلوكياتها وقسوة ممارساتها، وربما أيضاً ضخامة هزائمها أو على الأقل تفاهة انتصاراتها رغم الحجم الهائل لنفقات التسلح والحروب والتبشير بأيديولوجية معينة.

2- أثارت الحملة الانتخابية، بسبب زيادة مواردها المالية وكثافة المشاركة الشعبية فيها وتنوع أساليب الإعلام وأدواته المتطورة، فضول الرأي العام الدولي وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من المناطق المحرومة من حق الاستمتاع بالديموقراطية على النمط الغربي وبالحوار المكثف الدائر في أميركا حول مختلف القضايا الداخلية والخارجية. وأذكر أن أحد كبار المفكرين العرب قال إن أكثر ما يشده إلى هذه الحملة المستوى المرتفع للنقاش وعرض الموضوعات، بفضل اعتماد المرشحين الثلاثة على كفاءات أكاديمية وإعلامية وعلى مراكز بحوث لها وزنها في الحياة السياسية والثقافية الأميركية.

3- التنوع المثير في طبيعة المرشحين الثلاثة وخلفياتهم. لقد أثارت الحملة منذ بدايتها اهتمام قادة رأي في معظم أنحاء العالم بسبب وجود مرشح أسمر صغير السن وسيدة مرشحة متوسطة العمر ومرشح أبيض متقدم السن، بالإضافة إلى أن كل مرشح من الثلاثة يجمع في شخصيته مكونات لافتة للاهتمام. أوباما الأسمر والدته امرأة بيضاء مسيحية ووالده رجل مسلم من أصول افريقية، وباراك نفسه مسيحي يتبع المذهب الانجيلي. الرجل في حد ذاته مفاجأة لكل من لم يتصور أن هيمنة الرجل الأبيض على الحياة السياسية الأميركية ربما تكون اقتربت من نهايتها. كانت تصرفاته خلال الحملة مفاجأة أخرى لكل من توقع له أن يخضع لضغوط المؤسسة البيضاء في أميركا، وكذلك لكل من توقع أن يؤدي ترشيحه وخطابه الانتخابي إلى «ثورة اجتماعية – سياسية» في صفوف الأميركيين من أصول افريقية.

كذلك كان متصوراً في البداية أن هيلاري كلينتون لن تصمد طويلاً في الحملة إذا لم يصمد إلى جوارها زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، ولكنها صمدت بل توفرت لديها الشجاعة لتزيحه جانباً عندما شعرت أن جاذبيته بين النساء وقصصه مع بعضهن قد تأتي على حساب شعبيتها بينهن. ولا يمكن إنكار أن هيلاري أثبتت جرأة منقطعة النظير وقدرات خطابية هائلة وستترك بصماتها على مسيرة الديموقراطية الأميركية. ولكن لا يمكن إنكار أن هيلاري لم تفلح في كسب شعبية لدى الرأي العام خارج أميركا. فالرأي العام العالمي، وأكثره كما نعرف في آسيا والعالم الإسلامي، لم يتأهل بعد لقبول فكرة أن تجلس في المكتب البيضاوي امرأة تقرر وحدها مصير العالم. وما زال يوجد في الولايات المتحدة بين القادة العسكريين من يعرب عن شكوك في قدرتهم على ضمان التأييد المطلق والطاعة العمياء بين الجنود والضباط من الرتب الصغيرة لسيدة تتولى وظيفة القائد الأعلى للقوات المسلحة.

أما السناتور ماكين فقد أحدث الإعلان عن ترشيحه ما يشبه الصدمة في كثير من دوائر صنع الرأي العام، إذ أصر السناتور منذ الأيام الأولى على تقديم نفسه في صورة خليفة الرئيس بوش الملتزم بالسياسة الخارجية نفسها وبتوجهات السياسة الاقتصادية ذاتها، ومتعهداً بعدم التزامه بالسلبيات التي تسببت بها شخصية الرئيس بوش. لذلك دخل حملة مزايدة في السياسة الخارجية، وبخاصة في قضايا كالحرب ضد الإسلام تحت مسمى الإرهاب والحرب ضد العراق (الاستمرار فيها مئة عام أو أكثر) والدعم لإسرائيل على حساب العرب أجمعين والفلسطينيين على وجه الخصوص. وفي الوقت نفسه استمر ماكين يلمح إلى أنه «غير مطابق لبوش» واستمر بوش يوحي لمستمعيه بأن ماكين يتجنبه ولا يريد أن يظهر معه، وكلاهما ينفذ تعليمات قادة الحزب الجمهوري.

كانت هذه مبررات اهتمام الرأي العام العالمي بهذه الحملة الانتخابية بما يفوق اهتمامه بسابقاتها، ولعلها في الوقت ذاته تفسر هذا التراوح في اهتمام الحكومات بها. أستطيع أن أفهم بعض ما يدور في عقل السياسيين في الشرق الأوسط، وربما في آسيا وروسيا وبعض دول أوروبا. إن أهم ما يشغل بال هؤلاء السياسيين هو اقتناعهم بأنه ستقع على عاتق الرئيس المقبل للولايات المتحدة مسؤولية إدارة معادلة صعود آسيا وسقوط أميركا، أو بمعنى أدق مسؤولية الاستعداد لحسم مسألتي الصعود على القمة الدولية والهبوط منها. في أحسن الأحوال يأمل البعض أن يأتي الحسم عندما تكون واشنطن نجحت في منع صعود الصين أو تأجيل صعودها عقوداً أخرى، أو تكون نجحت في القفز بعناصر القوة الأميركية أضعافاً مضاعفة في فترة الثماني سنوات المقبلة. وفي أسوأ الأحوال يأمل آخرون أن يأتي الحسم عندما يكون في القمة متسع للأقوى بين الصاعدين والهابطين على حد سواء. فتصعد الصين وروسيا، وربما الهند والبرازيل والاتحاد الأوروبي، ولا تهبط أميركا.

لذلك يحق للسياسيين في الصين أو روسيا أو أوروبا أن يكونوا أشد حساسية تجاه المرشحين الثلاثة للرئاسة الأميركية. إذ أن أحدهم سيتولى هذه المسؤولية، مسؤولية حسم السباق على القمة لصالح أميركا أو بأقل الأضرار لأميركا. هنا يجب أخذ برنامج المرشح ماكين بجدية، وبخاصة ما يتعلق بحرب طويلة الأجل ضد العراق وإيران وربما كل المسلمين والعرب، وأخذ تصريحات هيلاري أيضاً مأخذ الجد، وبخاصة ما يتعلق بإبادة أو محو إيران من الوجود. وفي الوقت نفسه البحث بعمق في برنامج باراك أوباما، ليس فقط لأنه تحدث طويلاً عن التفاهم مع إيران وكوريا الشمالية ولكن أيضاً، وبشكل خاص، لأنه لا يملك أي خبرة سابقة في صنع السياسة الخارجية وقد يحتاج إلى وقت غير قصير لكسب تأييد المؤسسة العسكرية ومؤسسة إنتاج الأسلحة والنخبة اليمينية المتشددة وجماعة الضغط اليهودي، إذ أنه من دون دعم هذه الجهات أو غالبيتها لن يحقق انجازاً سياسياً يعتد به على صعيد العلاقات الدولية، وبخاصة مع دول آسيا والشرق الأوسط.

قد يرى بعض المعلقين أن الصين تأمل في فوز ماكين باعتبار أنه سيمشي على خطى بوش، وهي الخطى التي بسلبياتها سمحت للصين بأن تسرع خطاها لتحصيل قدر أعظم من القوة والنفوذ من دون الدخول في مواجهة عسكرية أو ديبلوماسية خطيرة. ويرى بعض آخر، أن ما يعتبره الرأي العام في الشرق الأوسط ميزات في أوباما تراه حكومات آسيا وحكومات في العالم الغربي نقائص. يتردد مثلاً في بعض الدوائر الرسمية في عواصم متعددة ومنها واشنطن أن باراك، على عكس هيلاري وماكين، لم يمش في دهاليز الفساد البيروقراطي والسياسي في واشنطن وهي الدهاليز التي مشت فيها هيلاري عندما كانت سيدة أولى في البيت الأبيض وبخاصة خلال محاولتها إقناع البيروقراطية الواشنطنية بمشروعها للرعاية الصحية، ومشى فيها ماكين لسنوات طويلة قضاها في مجلس الشيوخ.

كثير من السياسيين خارج أميركا لا يرحبون برئيس اميركي من خارج «الوسط الرسمي» الأميركي، أو برئيس لا يرتبط بعلاقات ومصالح مع المؤسسات الضاغطة والفاعلة. هؤلاء يصعب إقناعهم بأن أوباما يسعى لتغيير أميركا من الداخل وتغيير سمعتها في الخارج، ويريد تغيير بعض ما تعودت عليه البيروقراطية السياسية وجماعات الضغط الأميركية وأنماط العلاقات القائمة وتأثيراتها على عملية صنع السياسة.

من حقه أن يسعى لذلك، ولكن من قال إن غالبية حكومات العالم، وبخاصة حكومات الشرق الأوسط والنخب التي تجري في فلكها، تريد أن يحدث في أميركا تغيير على هذا النحو؟

About this publication