What Does the Future Hold for America?

<--

ماذا يخبئ المستقبل لأميركا؟

GMT 23:15:00 2008 السبت 28 يونيو

البيان الاماراتية

جلال أمين

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عما إذا كانت الولايات المتحدة على وشك الدخول في مرحلة أفول، أو عما إذا كانت قد دخلت في هذه المرحلة بالفعل. وقد كان من أهم ما كتب حديثاً في هذا الموضوع المقال الذي نشر في مجلة »شئون خارجية« الأميركية، في آخر عدد لها (مايو/يونيه 2008) والذي أشرت إليه في مقالي السابق بالبيان، ويحمل عنوان »مستقبل القوة الأميركية«.

قلت لنفسي بعد قراءة المقال »ألم يكن أجدر بكاتبه، بدلا من أن يبدأ بالمقارنة بين حالة الولايات المتحدة الآن وحالة بريطانيا منذ قرن من الزمان، ثم ينتهي من هذه المقارنة إلى أن الولايات المتحدة لم تدخل بعد في مرحلة أفول، بل لن تدخل فيها في المستقبل المنظور، بدلاً من أن يفعل ذلك ألم يكن من الأجدر به أن يفعل مثلما يفعل أي طبيب عندما يأتيه أي مريض، وهو ألا يشرع في التشخيص ووصف الدواء، بل ولا حتى في فحص المريض، قبل أن يسأل المريض: »ما الذي يشكو منه بالضبط؟«.

فلنبدأ نحن إذن بإثارة هذا السؤال: »مم تشكو الولايات المتحدة بالضبط؟« ما هي الأعراض التي يؤدى بالبعض إلى هذا الظن، وهو أن مركز أميركا الدولي في تدهور، وأن أيامها كأكبر قوة في العالم قد تكون معدودة؟«.

فلنحاول أن نعدد أهم هذه الأعراض في الاقتصاد والسياسة. ففي الاقتصاد تؤكد الإحصاءات ميل نصيب الولايات المتحدة في التجارة الدولية إلى الانخفاض، وتدهور قوتها التنافسية، خاصة إزاء دول شرق وجنوب آسيا. معدل الادخار في الولايات المتحدة صفر وأحياناً سالب، مما يؤدي إلى الاعتماد أكثر فأكثر على الاستثمارات الآتية من الخارج، وهذه ليست مضمونة، فضلاً عن أخطارها السياسية.

عجز مستمر ومتفاقم في الميزان التجاري، أسوأ ما فيه أنه يعكس ضعفاً أساسياً في القدرة على منافسة دول أخرى، وليس هناك ما يبشر بانتهائه. تدهور قيمة الدولار نتيجة لهذا، وهو وإن كان قد يساعد على تصحيح عجز الميزان التجاري لفترة ما، قد لا يكون مجدياً في المدى الطويل إذا كان ضعف القدرة التنافسية يعود إلى خلل عميق يتعلق بضعف الإنتاجية وارتفاع في النفقات، مما يصعب تصحيحه.

فضلاً عن أنه (أي تدهور في قيمة الدولار) يهدد تلك الميزة الكبيرة التي يتمتع بها الاقتصاد الأميركي، وهو استخدام الدول الأخرى للدولار كعملة احتياطية. إذ مع تدهور قيمة الدولار إلى متى يمكن أن يستمر الحافز لاستخدامه هذا الاستخدام؟.

هذا في الاقتصاد، فماذا عن السياسة؟ أنظر إلى ورطة الولايات المتحدة في العراق، وكأن قدميها تتوغلان أكثر فأكثر في الوحل فلا تستطيع أن تخلص نفسها منه. وهي منذ فترة لا تكف عن تهديد إيران بالضرب، دون أن تضرب بالفعل. في أميركا اللاتينية تمرد على التبعية التقليدية للولايات المتحدة في فنزويلا وبوليفيا، وتقارب بين هاتين الدولتين وبين الأرجنتين والبرازيل، مما قد يهدد بانحسار السيطرة الأميركية على سياسة قارة كانت تعتبر دائما بمثابة »الفناء الخلفي« للولايات المتحدة.

أو أنظر على تجرؤ الصين، أكثر فأكثر، على إقامة علاقات مع بلاد كانت محظورة بسبب علاقاتها الخاصة بالولايات المتحدة، في أميركا اللاتينية وفى العالم العربي وفى القارة الإفريقية. وسمعة الولايات المتحدة في العالم كله تتدهور تدهورا ملحوظا، بسبب أخطاء السياسة الأميركية مع اقتران ارتكاب هذه الأخطاء بلهجة متعالية ومتكبرة لا تتناسب مع تراجع مركز أميركا الاقتصادي والسياسي.

أضف إلى هذا ارتفاع نسبة غير المؤيدين للسياسة الخارجية الأميركية في داخل الولايات المتحدة نفسها، وارتفاع نسبة الأميركيين الذين لا يتعاطفون مع الإدارة الأميركية، بل والذين يشككون في صحة الرواية الرسمية عما حدث بالضبط في 11 سبتمبر 2001.

هذه هي أعراض المرض، أو بعضها، أو ما يشكو منه المريض. والمراقب لما يحدث له العذر إذا استنتج أن من الممكن جداً أن تكون أخطاء الولايات المتحدة في السياسة الخارجية، مع العنف الظاهر في تعاملها مع ما يثور في العالم من مشكلات، قد تكون نتيجة مباشرة لهذا الضعف.

وقد يكون لنا بعض العذر إذا لاحظنا بعض الشبه بين موقف أميركا في العراق، وطريقة تعاملها مع العراق وأفغانستان وإيران، من عنف زائد في الضرب وغلظة زائدة في أسلوب الخطاب، وبين موقف بريطانيا إزاء أزمة السويس في 1956، في أعقاب تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس، واستخدام بريطانيا لهجة غير مبررة في وصف ما فعله عبد الناصر، كتشبيهه بهتلر، ثم لجوئها إلى هجوم غير مبرر سرعان ما ندمت عليه ثم اضطرت إلى الانسحاب.

يقول كاتب مقال شئون خارجية (فريد زكريا)، ان مشكلة بريطانيا في القرن الماضى كانت مشكلة اقتصادية أدت إلى ضعف سياسي، أما في حالة الولايات المتحدة الآن فالأمر معكوس: أخطاء سياسية تترتب عليها مشكلات اقتصادية.

وقد يكون من بين ما يعنيه الكاتب بهذا القول ان الأخطاء السياسية التي ارتكبتها ادارة الرئيس بوش في الشرق الأوسط، أدت إلى نفقات باهظة أرهقت الاقتصاد، بينما الضعف المتزايد في الاقتصاد البريطاني الذي بدأ منذ بداية القرن العشرين، أدت محاولة علاجه إلى ارتكاب بريطانيا لأخطاء سياسية مثل الهجوم على مصر في 1956.

وقراءة المقال تترك للقارئ انطباعاً بأن الكاتب يريد أن يوحي بأن حل مشكلة الولايات المتحدة الآن أسهل من حل مشكلة بريطانيا في الماضي، فالأخطاء السياسية يمكن حلها بالاعتراف بها وتغيير مسار اتخاذ القرارات، أما الضعف الاقتصادي الذي أصاب بريطانيا فإنه كان مستعصيا على الحل. ومن ثم كان تدهور مركز بريطانيا في العالم حتميا، بينما ليس هناك ما يحتم انهيار مركز أميركا.

إن هذا يدفعنا إلى التساؤل: ألا يمكن أن تكون الأخطاء السياسية الأميركية بدورها نتيجة حتمية للضعف الاقتصادي؟ ومن ثم يصعب تصحيحها؟ ألا يمكن أن تكون أخطاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مثلا نتيجة مباشرة للرغبة المستميتة في السيطرة على ثروة هذه المنطقة من النفط، وان هذه الرغبة المستميتة ناتجة بدورها عن الضعف الاقتصادي؟ إذا صحّ هذا، ألا يجوز لنا أن نتوقع تدهوراً متزايداً في مركز الولايات المتحدة في النظام العالمي؟.

About this publication