شهد الأسبوع الماضي توتراً ملحوظاً بين جمهورية إيران الإسلامية من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل من جهة ثانية، بشأن القدرات النووية الإيرانية وخططها المستقبلية، حيث أفاد تقرير صحافي بريطاني بأن إيران جهزت صواريخها الباليستية وصوبتها نحو مفاعل ديمونة الإسرائيلي، في صحراء النقب. كما نقلت الصحافة الغربية عن تقارير استخبارية أن الرئيس الأمريكي جورج بوش قد صادق على ربط إسرائيل بنظام الكشف الراداري الأمريكي، القادر على اكتشاف صواريخ شهاب الإيرانية بعيدة المدى بعد ثوان من إطلاقها.
وتأتي هذه التسريبات في ظل معلومات صحافية كشفها الصحافي سيمور هيرش أن بوش وقع أمر استكشاف رئاسي، طلب فيه مبلغ 400 مليون دولار لتمويل أنشطة سرية ضد إيران، ومن بينها دعم الأقليات والتنظيمات المنشقة والمسلحة، وجمع معلومات عن برنامج إيران النووي، وتضاف إلى هذه المعلومات اعتراف النائب الديمقراطي عن ولاية ويسكونسن ديفيد أوباي بأن البيت الأبيض تراجع عن وعوده باستشارة الكونجرس في ما يتعلق بإيران، مشيراً إلى أن هناك ما يجري التحضير له، من دون أن يكشف أي معلومات واضحة.
لقد ربط المحللون والسياسيون زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية الأميرال مايكل مولين، لاسرائيل، بسعي هذا الأخير للحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، لشن هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن الأميرال صرح يوم الخميس الماضي بأن فتح جبهة ثالثة مع إيران (إضافة إلى جبهتي العراق وأفغانستان)، سيضع ضغوطاً شديدة للغاية على الجيش الأمريكي، وقال هذا لا يعني أننا لا نملك القدرات، لكن الأمر سيكون شاقاً بالفعل، ومن الصعب توقع عواقب ذلك. لكن وزير الدفاع الإيراني لم ينظر إلى الأمر باستخفاف، بل جدد استعداد بلاده لمواجهة أي اعتداء، وقال إن قواته تراقب بدقة تحركات اسرائيل كافة، وإنها سترد في الوقت المناسب.
في المقابل، وفي ظل هذا التوتر الذي يبدو متصاعداً، تنشط الدبلوماسية الإيرانية بإطلاق تصريحات عسكرية وسياسية محكمة الألفاظ، بدأت بإعلان القيادة الإيرانية أنها تدرس المقترحات الجديدة التي عرضتها عليها القوى الكبرى، وقال وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي أن إيران تدرس (بمنتهى الدقة وبنظرة إيجابية) المقترحات التي عرضها خافيير سولانا الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، في حين وصف هاشمي رفسنجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، المقترحات الجديدة بأنها أكثر شمولية وصراحة من المقترحات السابقة المقدمة خلال العام الماضي، لكنه اعتبر أن نقطة ضعفها يكمن في اشتراطها وقف تخصيب اليورانيوم، وهو أمر لا يمكن أن تقبل به إيران مطلقاً.
وفي سياق التهدئة ذاته، استبعد الأدميرال كيفن كوسيجريف في مقر قيادة الأسطول الخامس، وقوع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، وقال إن ما نقوم به مع الحلفاء هو حماية خطوط الملاحة وضمان أمنها في هذه المنطقة الحيوية، واستبعد أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران، لأنه لا يرى سبباً لقيام إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران في المدى القصير.
إن قراءة في التصريحات المذكورة تمنحنا مفاتيح (اللعبة) الأمريكية الإيرانية، التي تشبه لعبة القط والفأر، كما تمنحنا مفاتيح الدبلوماسية لدى كل من الطرفين، فهما يستعدان للمواجهة، ويهددان بعضهما بعضا، وفي الوقت ذاته، يستبعد كل طرف قيام مواجهة عسكرية، وإن زج إسرائيل في اللعبة ما هو إلا إرسال رسالة واضحة للإيرانيين بأن الولايات المتحدة لديها قوة ضاربة أخرى في المنطقة، ويمكنها استخدامها في الوقت المناسب، وتهديد إيران بضرب مفاعل ديمونة في صحراء النقب إشارة إلى أن إيران سترد، عند نشوب أي مواجهة عسكرية، رغم أن الأدميرال كيفن كان دقيقاً في كلامه حين قال إنه لا يرى سبباً لقيام إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران في المدى القصير، ويمكننا وضع خطين تحت المدى القصير.
لم يعد الصراع الأمريكي الإيراني بشأن نشاط إيران النووي عصياً على الفهم، من حيث المد والجزر الذي تتعرض له العلاقة بين الطرفين، أو من حيث تبادل الأدوار، وتوقيت التصعيد والتهدئة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة وجود اتفاق بين (العدوين اللدودين)، على تسخين أو تبريد الصراع، فهناك اختلافات جذرية في المعتقدات والتوجهات والاستراتيجيات، والنظر إلى المنطقة، ومن جهة أخرى، لا يعني هذا أنه لا توجد بعض التفاهمات بين الطرفين، وليس بالضرورة أن ترتقي لمؤامرة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى متى ستبقى العلاقة بين الطرفين هي لعبة القط والفأر، وإلى متى تبقى تمثيلية تبادل الأدوار مستمرة، وما الظروف التي ستؤدي إلى حلحلة الأزمة باتجاه حل سلمي، أو تعقيدها وتصعيدها نحو المواجهة العسكرية؟
يبدو أن أذرع الأزمة الإيرانية الأمريكية تمتد خارج نطاق الجغرافيا، باتجاه ما يسمى الحلفاء، والجغرافيا السياسية، فأوراق الأزمة خارجية بامتياز، ومن بينها: الوضع داخل العراق، والمراهنة على تحقيق الأمن والاستقرار للشعب العراقي، وإجراء مصالحة مع أو ضد الميليشيات، وبعضها مدعوم من إيران، ومن بينها أيضاً، الوضع في أفغانستان، حيث حركة طالبان والقاعدة، وتأثير إيران في مجريات الأحداث، رغم التناقض الظاهري بين المذهبين والمعسكرين. ومن بين الأوراق: الواقع اللبناني وعلى رأسه حزب الله، التنظيم المؤثر في السياسة اللبنانية، وحالة العداء الشديدة مع اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك النظام السوري غير المتفق مع السياسات الأمريكية في المنطقة، إضافة إلى حركة حماس المتحالفة استراتيجياً وليس عقائدياً مع إيران.
إن هذا الواقع سيستمر حتى تتوقف لعبة القط والفأر، ولن تتوقف اللعبة حتى يحقق اللاعبون مصالحهم، وقد يستغرق هذا وقتاً ليس بقصير، وهذا ما يرشح بقاء التأزم في المنطقة إلى سنوات قادمة، ويرشح أسعار النفط للصعود الناري، وكذلك أسعار المواد الغذائية.
إن ما يثير الانتباه، أن دور دول مجلس التعاون الخليجي ضعيف في المساهمة في إيجاد حل الأزمة أو في تصعيدها، رغم قيام بعض دول التعاون بالمشاركة في حل بعض القضايا مثل لبنان، والمشكلة بين حماس والسلطة الفلسطينية، وغيرهما، إلا أنه ليس الدور الذي يجب أن تقوم به، وباعتقادنا، أن على دول مجلس التعاون التدخل بشكل أكبر، لتقليل مدة التأزم، التي تهدد استقرارها ومستقبلها.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.