Obama's Chances and American Legitimacy Worldwide

<--

فرص أوباما والشّرعية الأميركية حول العالم

الأحد يوليو 20 2008 – شفيق ناظم الغبرا

لم يشهد العالم اهتماما بالانتخابات الاميركية كما هو حاصل الآن. فسنوات الرئيس بوش شكّلت هاجسا للعالم لأنه يمثّل رئيسا لأقوى دولة من حيث القدرات العسكرية والانتشار والتكنولوجيا والاقتصاد. فالولايات المتحدة ما زالت تتساوى من حيث القدرات مع الدول العشر التي تليها من حيث القوة في العالم. ولكن الولايات المتحدة خسرت الكثير من قوتها السياسية والمعنوية ومن قدراتها على حشد الحلفاء والمؤيدين في السنوات الثماني الماضية. لقد بيّنت هذه السنوات ان كلاً من الصين وأوروبا وروسيا وأيضا إيران قد حققت مكاسب سياسية على حساب الولايات المتحدة بسبب استفرادها في حرب العراق وبسبب النتائج المباشرة لتلك الحرب. لقد تبيّن في السنوات الثماني الماضية ان القوة العسكرية وحدها، مهما بلغت، لا يمكن ان تنتصر وتحقق اجماعا حولها، وتبيّن، اكثر مما سبق، ان القوة بحاجة الى الشرعية الدولية. بل على العكس: تتحول القوة العسكرية الى مشكلة عندما تستخدم من دون اجماع مبني على صدق استخدامها وعدالة أسلوبها.

لنأخذ الفارق الكبير بين حرب تحرير الكويت عام ١٩٩٠، والتي نجحت الولايات المتحدة خلالها بحشد عشرات الدول وراء قضية عادلة في مواجهة ظلم واضح، وبين حرب تحرير العراق عام ٢٠٠٣ حيث غيّرت الولايات المتحدة النظام العراقي بالقوة من غير تأييد على الصعيد الاقليمي والدولي. الفارق بين الحدثين كبير، وذلك بالرغم من كثرة مظالم النظام العراقي والاشكالية التي كان يشكّلها لشعبه. في الحالة الأولى تدخّل العالم الى جانب الولايات المتحدة ماليا وعسكريا، حتى سورية حشدت قواتها الى جانب الولايات المتحدة. اما في العراق بعد عام ٢٠٠٣ فقد حشدت إيران وسورية الامكانات ضد الولايات المتحدة، كما ان تركيا رفضت السماح باستخدام أراضيها لعبور القوات الاميركية وكذلك فعلت المملكة العربية السعودية.

لقد تحولت الحرب من أجل تغيير النظام في العراق الى مشكلة سياسية اميركية لا تحظى بالدعم والتأييد الشعبي الداخلي بينما اهتزت المصداقية الاميركية على الصعيد العالمي بعد ان تبين عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق.

وهذا لا يعني ان الولايات المتحدة مطالبة بالانسحاب من العراق الآن، ولا يعني في الوقت نفسه ان صدّام لم يكن ظالما لشعبه، أو ان النظام الجديد في العراق ليس نظاما صالحا للعراق وقادرا على التطور مع الوقت ليكون أكثر تلبية لاحتياجات العدالة والديموقراطية والتنمية في العراق، ولكن هذا يعني ان الولايات المتحدة كان بإمكانها ان تبني تحالفات مقنعة وان تأخذ وقتا اطول قبل الاقدام على تغيير نظام سياسي بالقوة وحدها. كان المطلوب حشد افضل وقيادة افضل من قبل الولايات المتحدة لكل التحضيرات التي سبقت الحرب والاجراءات التي تلتها. لقد عبرت تلك السلوكيات الاميركية عن شعور مضخم بالقوة واستصغار لما يمكن للمعارضين لهجومها العسكري أو لحلّها الجيش العراقي واجهزة الدولة ان يقوموا به. في هذا تحول ضعف القيادة الاميركية الى عامل اساسي في تراجع شرعية الولايات المتحدة على الصعيد العالمي مما ساهم في نموّ قوة دول مثل الصين والهند واوروبا وروسيا وايران، فهذه الدول كانت الاكثر استفادة من الاخطاء الاميركية.

إن بروز أوباما في الولايات المتحدة في هذه المرحلة بالذات ليس صدفة، بل يقع في اطار هذا التاريخ الذي صنعته الادارة الاميركية الحالية، وهو تاريخ يؤكد وجود تراجعات كبيرة في قوة اميركا العالمية والشرعية المصاحبة لها. في هذا الاطار اصبح اوباما مرشح العالم للرئاسة في الولايات المتحدة اضافة الى كونه مرشح قطاع كبير من الاميركيين خاصة من فئة الشباب. وهو أول الملوّنين الذي يأخذنا الى مرحلة جديدة في العلاقة بين الأعراق اميركيا وعالميا. فقد تعيد هذه الحملة الصاخبة في تعبيراتها والجديدة في مفاهيمها تعريف الولايات المتحدة وتنهي في الوقت ذاته الكثير مما اثاره الرئيس بوش في العالم من مشاعر رفض للولايات المتحدة وضيق من طريقة تعاملها مع شعوب العالم.

وقد يكون اوباما قادراً على لعب هذا الدور العالمي وذلك لما لديه من قدرات قيادية وامكانات لفهم الاخرين والاستماع الى العالم. اوباما يمتلك توجها الاساس فيه هو الديبلوماسية. ان فرص استعادة مكانة الولايات المتحدة غير ممكنة من دون سعي اميركي فعّال لبناء عالم افضل اكثر سلاما واكثر تفاهما وارتقاء من العالم الذي سيتركه الرئيس بوش بعد شهور.

لقد حققت ظاهرة اوباما المفاجأة تلو الاخرى لكل متابع للانتخابات الاميركية. ففي كل ندوة أو لقاء دعي إليه اوباما في المرحلة الاولى من ترشيحه جاءت جموع غفيرة هي عشرات اضعاف المتوقع للحضور، وعند كل محاولة لجمع التبرعات لحملته جاءت الردود من بسطاء الناس تعبر عن الاستعداد للتبرع للحملة. هكذا يقود اوباما اكثر حملة شعبية في تاريخ الانتخابات الاميركية منذ عقود، ويتحول في نفس الوقت الى مرشح كثيرين من الاميركيين كما انه مرشح الشباب والجيل الجديد والبسطاء وذوي الدخل المحدود. في هذا يجمع اوباما في اسلوبه ورمزيته الكثير من المتناقضات الايجابية

اما ماكين فهو الاخر يمثل قوة قائمة على الساحة الاميركية. فهو يمثل الجيل القديم بكل خبراته، ويمثل جانباً تاريخياً وعسكرياً على قدر كبير من الاهمية، ويمثل نظرة الى العالم والسياسة الخارجية تمتلك من المقومات والاسس ما يساعد على استمرارها. هكذا يمثل ماكين الجيل الخبير، جيل الحروب الكبرى وجيل الحرب الباردة، وهو الجيل الذي يعد الاميركيين بالاستمرار في الحرب على الارهاب وبالاستمرار في حماية الولايات المتحدة من اعدائها، وفي السعي في نفس الوقت لبناء وضع اقتصادي اميركي افضل.

ويرى اوباما العالم من خلال نظرة اكثر انسانية، ومن وجهة اكثر حضارية، مهما حاول ان يتواصل مع الوسط، وهو يمثل رؤية لحوار الحضارات وتلاقي الاختلافات وتواصل المتناقضات. انه ملتزم بأن يعيد للولايات المتحدة الوهج الذي تمثله بصفتها دولة عالمية الاتجاه.

فأوباما سيركز على بناء تحالفات وسيحاول استخدام ما للولايات المتحدة من تأثير لصالح حلول لمشكلات عابرة للقارات. ان اوباما يرمز إلى ما هو عكس اليمين، فهو يأتي الى المنافسة الرئاسية من مواقع اقرب الى اليسار لكنه في نفس الوقت يتعلم كيفية التعامل مع متطلبات الواقع واعبائه وضروراته بما فيها حدود استخدام القوة وضرورات الشرعية الدولية.

ان الولايات المتحدة في مرحلة انتقال من الدولة الكبرى الاولى الى كونها الدولة الكبرى التي تتعامل مع عدة دول كبرى صاعدة في المجال المالي والاستراتيجي والعسكري. والولايات المتحدة التي اقامت البنك الدولي، وساهمت في قيام الامم المتحدة والحلف الاطلسي، وقادت العولمة والانفتاح التجاري العالمي، كما انها تقود العالم في مجالات علمية وسينمائية وثقافية، مطالبة الان وهي تقترب من انتخاب رئيس جديد بتغيير صورتها وبالعودة الى السياسات التاريخية التي قامت على السياسة الواقعية الطويلة الامد والاقناع، وبناء الاجماع العالمي قبل الاقدام على استخدام القوة.

في هذا سيكون على الرئيس الجديد استعادة المصداقية التي شوهتها سجون مثل ابو غريب وغوانتنامو. عندما يصوت الاميركيون في تشرين الثاني المقبل سيكون التصويت على اتجاه الولايات المتحدة، وسيكون التصويت على المدى الذي سيسير به الناخب الاميركي في تبني هذا الانتقال وايصاله الى البيت الابيض.

About this publication