Bush in Mecca: The Language of Dialogue and the Terminology of Provocation

<--

“بوش في مكة”: لغة الحوار ومفردات التحريض

د. عبد الله بن موسى الطاير

يجتمع عقلاء العالم من الأديان والمذاهب والملل في العاصمة الإسبانية مدريد للتفاهم حول موضوعات وقواسم مشتركة – تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، يحفظه الله- لنزع فتيل القلق والتوتر الذي أحكم سيطرته على مفاصل هذا العالم ووصل به إلى درجة المواجهات العسكرية لتحقيق مصالح سياسية تحت شعارات دينية أو أخلاقية. ويحاول المخلصون تجنيب عالمنا الكثير من المآسي -القادمة لا محالة- إن نحن لم نتحاور ونتفاهم ونزيل ترسبات الماضي ونتحدث بشفافية عما يجري في الواقع وبمسؤولية عن تطلعاتنا للمستقبل.

وفي هذه المرحلة تواصل قناة “الحرة” فتوحاتها التحريضية في محاولة مستميتة لفرض أجندة التغيير والإصلاح من داخل مجتمعاتنا وفقا للوصفة الأمريكية، وهي بهذا لا تختلف عن الإذاعات الموجهة التي أشعلت فتيل الأزمات والحروب والثورات على أسس أيدلوجية وقومية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وإمعانا في التأزيم تخرج لنا محكمة الجنايات الدولية بمذكرة لاعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، لتسن بذلك سنة جديدة بوضع سيف العدل الغربي على الرقاب العربية الضعيفة التي لا تتطاول على غير شعوبها. لكن ماذا عن الرقاب الغربية التي لم تشبع يوما من سفك الدم العربي والإسلامي، والتي لم تتورع لحظة في انتهاك كل معاني الكرامة الإنسانية في فلسطين والعراق وأفغانستان؟ هل سيطالها سيف العدل الذي تلوح به هذه المحكمة؟ أم أن قرارها هو مزيد من تقسيم العالم وتكريس الهيمنة وتقنين المعايير المزدوجة.

وفي هذا الوقت تحديا تصدر وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها عن حرية الأديان الدولية وتسوق في حوالي 30 صفحة جملة من التهم التي وجهت للمملكة في مجال حريات الممارسة الدينية، وحقوق الإنسان، والمرأة، والمناهج، وخطب الجمعة، والتمييز على أساس عنصري وما إلى ذلك من قائمة التهم الطويلة. مشكلة الأمريكيين أنهم يراقبون أداء العالم على أساس أن أمريكا لم تتغير في السنوات الثمان الأخيرة في ممارساتها لحقوق الإنسان.

لن أتحدث عن معتقل جوانتناموا، ولا عن قائمة الإرهاب الأمريكية التي تجاوز عدد ضيوفها مليون شخص في أقل من سبع سنوات، ولن أتحدث عن آلاف الأبرياء الذين قتلتهم أمريكا في العراق وفي أفغانستان، ناهيك عن الفظائع التي انتهكها أمريكيون في حق نساء وأطفال ومعتقلين عزل لا يملكون الدفاع عن أنفسهم كما حدث في أبو غريب ويحدث في سجون أمريكا السرية، ولن أتحدث عن الهلع الذي نشرته الولايات المتحدة في العالم؛ فكل شخص، أيا كان، هو الآن عرضة للاعتقال والاختطاف من قبل أجهزة الأمن الأمريكية في مطارات العالم.

فقط سأستعرض رسالة تحريضية أمريكية مفعمة بالكراهية ومحرضة على الإرهاب، تطالب باغتيال الرئيس الأمريكي علنا، منشور لم يصدر عن خطيب جمعة سعودي، ولا عن مدرس تربية إسلامية، وإنما عن مؤسسة أمريكية، وعن شخص تعول عليه أمريكا وتدعمه لأن يكون رسولا لتحقيق العدل والتسامح والتعايش في مجتمعنا وفقا للرؤية الأمريكية. منشور كتب بأموال أمريكية، في عاصمة أمريكية، وكاتبه شاهد دائم لدى لجان الكونجرس والخارجية الأمريكية ضد المملكة. منشور قبيل زيارة الرئيس بوش للمملكة بعنوان “بوش في مكة”، أقتبس منه فقرات: “جورج بوش الذي غزا أفغانستان واسقط طالبان والقاعدة وقتلت قواته مئات الأفغان وبعد ذلك بعام ونيف غزا العراق واحتله وأسقط نظام حكمه وعلى أيدي قواته قتل آلاف العراقيين والعرب ومرغ كرامتهم في التراب، واليوم يفد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الامبريالية ! الاستعمارية! عدوة الإسلام والمسلمين كضيف عزيزا مكرما”، ثم يمتدح المنشور مئات الشبان السعوديين الذين يفجرون “أنفسهم ليقتلوا الجنود الأمريكيين الغزاة في العراق”. ويستنهض همم السعوديين ضد الرئيس الأمريكي فيسأل: “أين هي رجولة الشعب السعودي وتحديدا رجال الدين …. أين هم اليوم من حامي دولة إسرائيل ومفجر الحروب وقاتل المسلمين المجاهدين؟ أين انتم يا أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب من جورج بوش الذي ستطأ رجلاه ارض الحرمين بعد أيام قلائل؟ … كيف ترضون أن يكون بينكم أكثر من5000 علج ! يمارسون كافة الرذائل والمفاسد والمعاصي؟”. ثم يختم رسالته متسائلا: “هل يا ترى لرجال الدين الوهابيين وأتباعهم أي حظ من الرجولة والكرامة ؟ وهم يشاهدون الرجل الذي حارب الإسلام يجول في بلادهم ويصافح ملكهم ويأكل من طعامهم ويشرب من شرابهم وهم خانعون خاضعون؟”.

وأنا بدوري أسأل: هل هذه اللغة والرسائل المفخخة الآتية من واشنطن هي نفسها التي سيترقى في سلمها أبناؤنا الذين يتربون على المائدة الأمريكية وتكلأهم عناية أجهزتها الإعلامية والتشريعية والمدنية على اعتبار أنهم رواد التغيير القادم في هذا البلاد وفقا للمنظور الأمريكي؟ إذا كان الإناء الأمريكي ينضح بهذه الكراهية، فلم لا يحترم الأمريكيون عقولنا ويتواضعون قليلا للمنطق. ولم لا يتعظ أبناؤنا الذي يستقوون بالعصا الأمريكية لفرض وجهات نظرهم الشخصية على مجتمعهم؟ ويعون أن حظوظهم عند الإدارة الأمريكية تقل بكثير عن كاتب ذلك المنشور، وأن الفئتين منتج لمصنع الكراهية اليميني الأمريكي؟!

د. عبد الله بن موسى الطاير

About this publication