The United States of America and the Arrogance of Power

<--

الولايات المتحدة الأمريكية وغطرسة القوة

كان الرئيس الأمريكي جورج واشنطن(1789-1797) يحلم بأمريكا مستقلة ومتحدة، كما كان الرئيس الأمريكي ابراهام لنكولن(1861-1865) يعمل من أجل أمريكا خالية من العنصرية والعصبية اللونية، وأيضاً كان الرئيس الأمريكي ويلسون (1913-1921) يحاول تقديم أمريكا للعالم في صورة الدولة التي تبشر بقيام عالم جديد لا مكان فيه للامبراطوريات الاستعمارية…لكن أحداً من هؤلاء وغيرهم الكثير لم يكن ليخطر لهم على بال بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تخرج من قارتها.

فقد وجدت نفسها في أعقاب الحرب العالمية الأولى بفعل اعتبارات متعددة وتحت تأثير أسباب لا حصر لها، في مقدمتها طبيعة النظام الرأسمالي وقد خرجت من جلدها القديم لتقوم بزحفها المفاجىء الى كل مكان في هذا العالم، حيث اندفعت الولايات المتحدة من أرضها الحافلة بالثراء والمزدحمة بناطحات السحاب الى جميع أركان الأرض بمزيج من الثراء الفاحش والسذاجة وضيق الأفق والشهية وعدم الدراية.

لقد وجدت الولايات المتحدة نفسها غائصةً الى عنقها في مشاكل غريبة ووجدت أقدامها قد انغرست في طين وفي تعقيدات لا علم لها بها في أفريقيا وفي جنوب شرق آسيا وفي (الشرق الأوسط)… وربما في كل مكان، لاسيما بعد ان حاولت واشنطن أمركة العالم وجعل العالم كله مجرد مساحة من الأرض،يمكن ان تتصرف بها حسبما تمليه المصالح الأمريكية، وعلى أية حال فلقد كانت تبحث عن دور تقوم به في العالم وبكل تأكيد… فإن الخلاف لم يكن حول ان يكون للولايات المتحدة مثل هذا الدور أي ان أحداً لم يكن يجادل في ان يكون لها دور في هذا العالم… لكن الولايات المتحدة أرادت لهذا الدور ان يكون بغير حدود أو قيود وان يكون على حساب مصالح الشعوب وحقوقها وكان ذلك أخطر مافي المسألة كلها ذلك أنه حين يكون أي دور عالمي بغير حدود، فإن هذا الدور يتحوّل الى قوة ضريرة لا تعرف أين تضرب؟ ومتى تضرب.. وكيف تضرب؟..إن القوة العمياء قوة مجنونة بطبيعتها وهي التي وضعت الولايات المتحدة تحت تأثير الوهم القائل: إنه يمكن العودة بالعالم مرةً أخرى الى عصر الامبراطورية الرومانية حيث كان العالم كله محكوماً بمشيئة روما باعتبارها الدولة الأقوى والأعظم.

لقد أعلن الجنرال الأمريكي نورمان شوار سكوف عام 1989 أن السيطرة على العراق يعني الاستعداد للإعلان عن الامبراطورية؟ لكن ذلك لم يكن إلا وهماً، أكدت الأحداث زيفه.

يعترف الرئيس الأمريكي الأسبق (جونسون) (1963-1969) في مذكراته بأن الغلطة القاتلة في سياسة الولايات المتحدة الخاصة بحرب فيتنام، هي القرارات بالغة الخطورة كان يتم اتخاذها في غياب التقديرات الدقيقة للنتائج التي يمكن ان تترتب على هذه القرارات.

فهل ينسحب هذا الاعتراف على السياسة الأمريكية ازاء الصراع العربي الصهيوني؟ ربما كان الدور الأمريكي في الشرق الأوسط هو الدور الأكثر خطورةً في كل ما تحاول الولايات المتحدة ان تفعله ذلك ان الولايات المتحدة لا تستطيع ان تتصوّر(الشرق الأوسط) خارج نطاق سيطرتها كما انها تريد فرض هيمنة (اسرائيل) على المنطقة بأسرها، لاعتبارات كثيرة باتت معروفةً للقاصي والداني… ثم إن الولايات المتحدة تريد وطناً عربياً مبعثراً لا يستطيع ان يرفع رأسه أو حتى صوته بالاحتجاج فبعد أحداث 11 أيلول 2001 أعلنت الولايات المتحدة (الحرب الشاملة على الإرهاب) وأن العالم بأجمعه هو ساحة تلك (الحرب المقدسة)، وأطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش على العراق وايران وكوريا الشمالية وصف(محور الشر) وبعد ذلك توالت الخطب المتعجرفة واتسعت دائرة الاتهام مع التركيز على المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الصهيوني، واذا كان الانتشار العسكري الأمريكي قد امتد اليوم الى أغلب أنحاء الكرة في اطار التحضير لحرب طويلة الأمد ضد (الإرهاب) لا تعرف مواقعه وحدوده وإمكانياته في غياب توازن دولي وروادع أخلاقية قوية ودفع الصلف وغطرسة القوة بواشنطن الى اتباع سياسة الاملاءات على الشعوب الأخرى، وفرض الآراء والمواقف عليها مما يعد سابقةً خطيرة في العلاقات الدولية.

ان التدقيق بسلوك ادارة بوش يجد ان هذا السلوك تجاوز سلوك النازية من حيث ما اعترى هذه الادارة من جنون العظمة والاستهتار بحقوق البشر. إن الضرر الذي حملته سياسات بوش لم يطل العرب وحدهم، بل شمل العالم بأسره بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التي تعاني الأزمات الاقتصادية والعسكرية والسياسية…وهذا ما دفع السياسي الأمريكي المخضرم باتريك بوكانان الى ان يتنبأ بانحدار الامبراطورية الأمريكية في كتابة (تشرشل وهتلر والحروب غير الضرورية) وذلك نتيجة للأخطاء الكبيرة، التي ارتكبتها ادارة بوش والتي ستؤدي حتماً الى سقوط الولايات المتحدة وفي كتابه الثاني(يوم الحساب.. كيف تتمزق أمريكا بفعل الغطرسة والآيديولوجيا والطمع) يحذر بوكانان الأمريكيين من المستقبل القاتم، الذي ينتظر بلدهم إذا ما استمرت الأمور على حالها فأمريكا وفقاً للمؤلف على وشك التفكك والسقوط وعلى شفا أزمة خانقة وأمريكا ستفكك الى مجموعة من القوميات المتنافرة، ستتمزق وتنهار بسبب القوى الخارجية التي تسعىالى تحقيق هذا الهدف من خلال الانتقاص أولاً من سيادة الولايات المتحدة واستقلاليتها، ثم انتزاع تفوقها الاقتصادي.

هذه ليست أحلامَ يقظة أو هلوسات، فالتفكك الذي يتحدث عنه المؤلف يلامس خطوطاً شديدة الحساسية في المجتمع الأمريكي مثل العرق والاثنية والثقافة والطبقة الاجتماعية والمهاجرين غير القانونيين..وإذا لم يُعالج الوضع على وجه السرعة كما يقول (المؤلف) لوقف التنافر الحالي في المجتمع الأمريكي… فمن غير المستبعد تعرض أمريكا للبلقنة خلال العقدين أو الثلاثة عقود القادمة ويدعو الكاتب الأمريكيين الى الاقتناع بفكرة ان بلدهم ليس القوة العالمية الوحيدة في العالم، والكف عن لعب دور الشرطي العالمي في ظل وجود قوى أخرى صاعدة مثل الصين وروسيا..

ألا يكفي كل هذا لإعادة الوعي للرؤوس المحشوة بغطرسة القوة الغاشمة… لكي تفكر بطريقة تمكّن العالم من التخلص من الحروب والدمار والقتل!!.

سؤال لا بدّ ان تجد إدارة الرئيس المنتخب باراك أوباما بمواجهته مع تسلم مهامها بعد أسابيع.

About this publication