د.حمزة زوبع
بالجزمة!
الأثنين، 15 ديسمبر 2008 – 01:41
ياه .. من كان يصدق إن بعد كل هذه البروباجندا الإعلامية التى أنفق عليها مئات المليارات من أجل تزييف الواقع فى العراق، من كان يصدق إن بوش “محرر العراق المزعوم” يلقى نفس الجزاء الذى لقيه صدام حسين يوم دخلت القوات العراقية بغداد قبل خمس سنوات ونيف!
هل تذكرون الرجل العراقى المسن الذى كان يصرخ، وهو يحمل فى يده حذاء يضرب به صورة كبيرة لصدام حسين، كان هذا المشهد بمجمله من تأليف وإخراج القوات الأمريكية مثله مثل مشهد اعتلاء القوات الأمريكية لتمثال صدام فى العاصمة بغداد باعتراف الأمريكيين أنفسهم.
أمس وعلى الهواء مباشرة، نال الرئيس الأمريكى رئيس أكبر دولة على وجه البسيطة ما يستحق من عقاب على الطريقة العراقية .. بالجزمة!
فى نفس التوقيت تقريباً كان البرلمان المصرى يناقش موضوع “الحصار على غزة”، كاد المشهد أن يتحول إلى مشهد مماثل لكن الله سلم .. ولا أستبعد أبداً أن يحدث مشهد مشابه فى مكان ما مع شخصية ما على أرض الواقع السياسى المصرى!
تسألنى عزيزى القارئ لماذا؟
أقول لك، إن الضغط النفسى الكبير الذى تمارسه النظم الديكتاتورية على خصومها يولد الانفجار، وعادة ما يكون الانفجار غير منضبط أو محكوم بالقواعد والنظم المتعارف عليها.
لا يمكن للمظلوم ضبط أعصابه على ساعة الظالم أو من يناصره.
التعبير عن النفس والمطالبة بالحقوق مسألة لا تقادم فيها، ففى اللحظة التى ظن بوش أنه ينهى حياته بتوقيع اتفاق تاريخى فى العراق، كان للمواطن العراقى رأى آخر.
أحاول البحث فى دوافع صحفى يتمتع بهذا المركز الذى يسمح له بتغطية حدث مهم كهذا مع رئيس أكثر أهمية مثل بوش، لماذا يضحى بكل هذه الامتيازات ليهين رئيس أكبر دولة على وجه البسيطة وعلى الهواء مباشرة؟
ألم يفكر فى مستقبله؟
ألم يفكر فى العقاب الذى ينتظره؟
بالتأكيد فعل، ولكن الضغط النفسى داخله كان أقوى لذا وقع الانفجار، وهو انفجار مرشح للتكرار ما دامت القوى الضاغطة لا تزال تمارس ضغطها.
حين يقتنع المرء بأن منصبه أو مكانته الرفيعة تكون على حساب وطنه وكرامته، ساعتها لا يفكر فى العواقب بل فى التعبير عن نفسه؟
ربما يعتذر الصحفى أو يضطر للاعتذار فيم بعد، لكن الفيديو والصور ستبقى مدى الدهر.
بوش الذى اعتقد أنه محرر البشرية، ها هو يلقى جزاء كذبه الصراح! بالجزمة وعلى الهواء مباشرة.
بوش الكبير ينتهى سياسياً وأخلاقياً، فلن يضير الصحفى العراقى ما فعل، فهو بالنسبة لكثيرين قد يكون نكرة لا يعرفه أحد ولكن بوش الكبير وأى كبير سيلقى نفس الجزاء.
قد يقول قائل ومعه الحق “إن هذا السلوك مخالف للعرف الدبلوماسى”.
هذا صحيح ولكن الصحفى ليس دبلوماسياً ولو كان دبلوماسياً، لربما فعل مثلما فعل الرئيس كارتر الذى قال بصراحة “إن ظروف العالم ستتحسن كما سيتحسن الوضع فى أمريكا فى الفترة المقبلة، فى إشارة إلى رحيل بوش”.
وحتى الدبلوماسية لا تمنع الناس أحياناً من التعبير الغاضب والساخط عن مواقفهم، مثلما حدث مع النائب الوفدى السابق طلعت رسلان الذى قام بصفع وزير الداخلية فى البرلمان المصرى عام 1987، وقد كان وزير الداخلية زكى بدر يوزع اتهاماته على المعارضة يمنة ويسرة، حتى وقع فى مصيدة انفلات لسانه، حين خرج عن أعصابه فى أحد المؤتمرات ليتناول رموزاً مصرية بالشتم والسب، مما عجل بإقالته من منصبه .
الجزمة تعبير صارخ عن مدى ما تكنه الصدور من غيظ ومن ظلم، فحين تعجز عن حتى مجرد الرد لأن الصحف تصادر رأيك، وحين تعجز عن التحدث مجرد التحدث مع المسئولين، وحين تعجز عن السماح لك بالحديث فى قضايا الساعة من حريات وفساد واحتلال.
هنا يكون الحديث البديل، إنه حديث الأحذية أو بالبلدى بالجزمة!
سيسجل التاريخ لبوش أنه رئيس جاهل ولا يعرف إلا ما يكتب له !
وسيسجل له التاريخ أنه خاض حربين ضد دولتين مسلمتين !
وسيسجل له أنه صاحب معتقل جوانتانامو !
وأنه نصير النظم الديكتاتورية !
وأنه كذاب، وقد اعترف بذلك !
لكن الصورة الخالدة لبوش ستظل ولأجيال مقبلة هى أنه أول رئيس أمريكى يضرب بالجزمة، وعلى الهواء مباشرة، وأين؟ فى العراق “المحرر” يا لسخرية المشهد!
هل هذه شماتة؟
ربما؟ ولكننى شخصياً لا أفضل هذا النوع من الحوارات العنيفة!
ما أثقل تركة أوباما !
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.