Not Another Iraq, Obama!

<--

يخطط الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما لسحب قوات امريكية من العراق وارسال عشرين الفا منها الى افغانستان، معتقدا ان الوضع في الاخيرة ممكن حسمه عسكريا بسهولة، ولكن احراق عناصر تابعة لحركة طالبان لاكثر من مئتي حافلة وعربة كانت تنقل معدات وامدادات ذخيرة لأكثر من ستين الف جندي من قوات حلف الناتو متمركزة في مختلف انحاء افغانستان، يكشف مدى صعوبة مهمة الرئيس الامريكي الجديد، والخطأ الكبير في ترتيب اولوياته.

حركة طالبان المدعومة من قبل قبائل البشتون التي تعتبر القبيلة الاكبر في العالم التي ما زالت دون دولة (تعدادها 40 مليون نسمة في افغانستان وباكستان) استطاعت ان تسيطر على اكثر من سبعين في المئة من الاراضي الافغانية، وتستعد لقرع ابواب العاصمة كابول في مطلع الربيع المقبل، حيث بدأت في حشد قواتها استعدادا للهجوم الكبير.

قوة هذه الحركة تأتي من عدة مصادر رئيسية:

‘ الاول: قيادتها في افغانستان المتمثلة في الملا محمد عمر الرجل القوي الزاهد في الدنيا الذي يرفض التصوير واعطاء اي مقابلات اعلامية، ويعيش حياة متقشفة، واعلن في خطابه الذي اذيع بمناسبة عيد الاضحى بأنه يرفض كل الوساطات والمصالحات طالما بقي الاحتلال الاجنبي لبلاده، ويتمسك بالمقاومة كخيار وحيد لانهاء هذا الاحتلال.

‘ الثاني: فتح فرع لها في باكستان تحت اسم ‘طالبان باكستان’ بقيادة بيعة الله محسود، يضم حوالى اربعة ملايين عضو، من بينهم ثمانون الفا تحت السلاح، ومستعدون لتفجير انفسهم طلبا للشهادة في مواجهة الامريكان.

‘ الثالث: التحالف الوثيق بين حركتي طالبان في افغانستان وتنظيم ‘القاعدة’. فقد استفادت الحركة من خبرة ‘القاعدة’ الاعلامية والعسكرية التي اكتسبتها من خلال وجودها في العراق، وانعكس ذلك في التزايد الكبير في اعداد جنود حلف الناتو الذين قتلوا في العام الحالي (800 جندي) سواء بسبب العمليات الانتحارية، او القنابل المزروعة على جوانب الطرق والتي تفجر عن بعد عند مرور القوافل العسكرية لحلف الناتو.

‘ الرابع: الغارات الجوية الامريكية على اهداف لطالبان والقاعدة داخل الحدود الباكستانية في منطقة القبائل، وهي غالبا ما تؤدي الى وقوع ضحايا في صفوف المدنيين الابرياء، الامر الذي يؤلّب القبائل جميعا ضد الوجود الامريكي، ويسهل مهمة حركة ‘طالبان’ في تجنيد المتطوعين.

‘ الخامس: تدهور الاوضاع الداخلية في باكستان ووجود قيادة فاسدة في سدة الحكم، فالغالبية العظمى من الباكستانيين تؤيد القاعدة والطالبان كرها في حكومة بلادهم، فالسيد آصف زرداري رئيس باكستان قضى 13 عاما من العشرين عاما الاخيرة من حياته في السجن بتهم الفساد المالي.

‘ السادس: مساندة المخابرات العسكرية الباكستانية لحركة ‘طالبان’ في السر. صحيح ان قيادات هذا الجهاز الاستخباراتي الاهم في باكستان موالون للقيادة السياسية، ويساندون الحرب الامريكية على الارهاب، ولكن الصحيح ايضا ان معظم الضباط من متوسطي وصغار الرتب هم من المتعاطفين مع حركة ‘طالبان’.

‘ السابع: ضعف الحكومة المركزية في كابول، وفساد معظم المنخرطين فيها، فصحف امريكية تحدثت عن تورط شقيق الرئيس حامد كرزاي في تجارة المخدرات، وانضمام العديد من لوردات الحرب الفاسدين الذين اطاحت بهم حركة طالبان اثناء حكمها، الى البرلمان الافغاني، وتوليهم مناصب عليا في الحكومة. وهؤلاء يتمتعون بماض سيئ كقطاع طرق وتجار مخدرات.

وربما يجادل البعض بان الخطط الامريكية المتبعة من قبل الجنرال بترايوس قائد المنطقة الوسطى حاليا، والعراق سابقا، في زيادة عدد القوات، وانشاء ‘قوات الصحوة’ نجحت في تخفيض احداث العنف، واضعاف تنظيم ‘القاعدة’ واخراجه من معظم المناطق السنية.

المقارنة بين العراق وافغانستان خاطئة تماما لعدة اسباب، لها علاقة بالديمغرافيا، والجغرافيا، والتاريخ، نوجزها في النقاط التالية:

‘ اولا: الاراضي الافغانية وعرة، وجبلية والظروف المناخية قاسية جدا في فصل الشتاء، على عكس العراق المنطقة السهلية المكشوفة.

‘ ثانيا: افغانستان مثل ‘سرة’ آسيا، محاطة بسبع دول معظمها غير معادية، ويمكن التسلل عبر حدودها، وتهريب المقاتلين والاسلحة بكل سهولة، على عكس العراق المحاط بدول معادية للمقاومة و’القاعدة’ معاً وموالية في معظمها لامريكا، مثل المملكة العربية السعودية والكويت والاردن وايران وتركيا، والاستثناء الوحيد هو سورية. وقد نجحت الضغوط العربية الامريكية المشتركة في اجبار سورية على اغلاق حدودها في وجه المتطوعين للانضمام الى المقاومة، وفتح سفارة لها في بغداد.

‘ ثالثا: طالبان تعيش في محيطها الطبيعي، فالغالبية الساحقة من الشعب الافغاني من المتطرفين الاسلاميين اتباع المذهب السني الحنفي، وهم اقرب الى الفكر الوهابي المتشدد، بينما المقاومة الاسلامية و’القاعدة’ على وجه الخصوص، جاءت الى بلد حُكم من قبل أنظمة علمانية طوال المئة عام الماضية، ولم يُسمح فيه للجماعات الاسلامية بأي عمل على أرضه، بل ان الاسلاميين كانوا يتعرضون الى السجن والاعدام في بعض المراحل الأخيرة.

‘ رابعا: من الصعب تشكيل مجالس صحوة في افغانستان لأن الشعب الافغاني يرفض كلياً، وفي غالبيته، التعاون مع المحتل، ويتحلى بقيم اسلامية رفيعة، فلم يحدث مطلقا ان جرى تسليم عربي او طالباني مجاهد لقوات الاحتلال، فقبيلة ‘البشتون’ لهـــا مبدأ مــــعروف هو ‘بشتـــــون والـــي’ الذي يحظر تسليم اي مسلم التجأ اليها، ولهذا لم يتم حتى الآن العثور، وبالتالي اعتقال او قتل الشيخين اسامة بن لادن والملا عمر، وفشلت كل المحاولات لقتل الثالث الدكتور ايمن الظــواهري. وتكفي الاشارة الى ان الملا عمر خسر الحكم على ان يسلم ضيفه زعيم تنظيم ‘القاعــــدة’، بينما يتكالب زعماء ‘العراق الجديد’ من السنة والشيعة والاكراد على المحتل من اجل الفوز بمنصب في الحكومة.

أيام الرئيس المقبل اوباما في افغانستان ستكون صعبة، فمعظم القوات الغازية المحتلة لهذا البلد منيت بخسائر كبيرة، اضطرتها للهرب لتقليصها، متجرعة كأس الهزيمة المر، هذا ما حدث للانكليز مرتين، وللسوفييت مرة، والامريكان لن يكونوا افضل حالاً.

حامد كرزاي يستجدي المصالحة مع ‘طالبان’ ويعرض التنازل عن حكمه الذي لا يحكم، ورئاسته التي لا ترأس، ويخطط للعودة الى منفاه في الغرب، بعد ان كان الفتى المدلل للغرب وامريكا. القاسم المشترك الوحيد بين افغانستان والعراق، غير الاحتلال الامريكي، هو ان حكام البلدين الذين اوصلتهم امريكا الى سدة الحكم لن يبقوا يوماً واحداً بعد انسحابها، ومن يزر لندن هذه الأيام يدرك جيداً ان معظم حكام العراق الجدد قد رتبوا أمورهم وأمور عائلاتهم جيداً، مالياً وعقارياً.

About this publication